بين الأذان و الإقامة

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

طالما أن الأذان إعلام لدخول وقت الصلاة، فالإقامة مفتاح للدخول في رياضها، و لكل منهما استعداده الخاص للخوض فيه و الامتثال المعنوي الخاص ، لذا فإن الخروج من الأذان إلى الإقامة يحتاج لصلة تدريجية نوعا ما ، و التهيؤ للدخول من باب العبادة .. و الوقوف بين يدي الجبار الغفور ..
عن الإمام  الصادق عليه السلام  قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه : من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده : ( سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا ) يقول الله جل وعلا : ملائكتي و عزتي و جلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين و هيبته في قلوب المنافقين ..
من الواضح للعيان  أن الخاشع الذليل لله تعالى يعزه الله بين الناس و ينصره نصرا عزيزا ، فالخشوع بذلة النفس له جزاء العزة ..
عن ابن أبي عمير عن أبيه عن الإمام الصادق  عليه السلام قال : رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان و الإقامة فلما رفع رأسه قال : يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها و قال : من  أذن ثم سجد فقال:( لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاشعا خاضعا )، غفر الله له ذنوبه كلها..
فالخشوع هو الصلة الواقعة بين النداء و الأداء ، أي أنه الاستعداد الروحي المتضرع للرب الجليل و الحلة الأولى التي يلبسها المؤمن لمناجاة المهيمن ، فالمؤمن يستغل هذه الفرصة الذهبية ليتفاعل ذاكرا ذنوبه بمشاعره اللهبية ، من هنا يبدأ تصور المثول أمام المولى ومن هنا يبدأ التقلقل و التباكي أو البكاء ..
فأقرب ما يكون فيه العبد للمولى هو السجود ، ففيه يعترف متضرعا بنكران الوجود .. فعليه في هذه اللحظة بذل الكثير الكثير من المجهود ..
عن علي بن مهزيار عن الحسين بن أسد عن جعفر بن محمد بن يقظان رفعه إليهم : قال : يقول الرجل إذا فرغ من الأذان و جلس : (اللهم اجعل قلبي بارا و رزقي دارا و اجعل لي عند قبر نبيك قرارا و مستقرا )..
فالواضح بأفصح الأقوال أن لحظة الأذان و الإقامة لحظة يجب أن لا تفوت لعظمتها التي فيها الدعاء لا يموت ، فليستغلها العبد بكل ما أوتِ ،فهي تجمع للعبد منفعة الدارين الرزق و الرق ..فمن أراد الوقاء فعليه بسلاح البكاء ..

المواقيت

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

من مبادئ توحيد صفوف المؤمنين و سياسة الاتحاد في المدرسة المحمدية أن يكون هناك أذان يجمع الناس في لقاء مع الرب الجليل ناشرا بينهم المودة و الألفة و يجعلهم كالبنيان المرصوص ،، كما و أنه يحسسهم بيوم الحشر و اجتماع الناس لرب العالمين ..
عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : (إنما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة، منها أن يكون تذكيرا للناس ، وتنبيها للغافل، و تعريفا لمن جهل الوقت و جهل عنه ، و يكون المؤذن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق، و مرغبا فيها، مقرا له بالتوحيد ، مجاهرا بالإيمان، معلنا بالإسلام ، مؤذنا لمن ينساها ، و إنما يقال له مؤذن لأنه يؤذن بالأذان بالصلاة ، و إنما بدأ منه بالتكبير و ختم بالتهليل لأن الله عز و جل أراد أن يكون الابتداء بذكره و اسمه ، و اسم الله في التكبير في أول الحرف و في التهليل في آخره ، و إنما جعل مثنى مثنى ليكون تكرارا في أذان المستمعين ، مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ، و لأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أول الأذان أربعا  لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة ، وليس قبله كلام ينبه المستمع إليه ، فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان و جعل
بعد التكبير ..) ..
فكما بين الإمام عليه السلام  بعض أسرار الأذان موضحا إياها للفضل بن شاذان ، بين أهميته بالنسبة للأمة الإسلامية ، فالمسارعة بالاستجابة لداعي الله يدرج المؤمنين في طريق الأبرار و كأنما هو اقتداء بحت بإمامة رسول الله ، حيث أن عليه أن يتخيل قيام الرسول في مثل هذا الوقت و إنه بذلك يتبعه و يستحق أن يكون من أنصار الدين ، و كما قال أمير المؤمنين في مبدأ الثواب و العقاب : (في أولها جزور و في آخرها زرزور ).فالشعور بنداء المولى أولى بالإتباع من نداء أي كان ، إلا الكسل، فعلى المؤمن محاربته قبل العمل .. و لن يكون ذلك إلا بعد إيكال الأمور كلها لله و الإيمان بقدرته على التوفيق حقيقة .. أي الجزم بذلك.
أجر المؤذن ..
عن الإمام الباقر عليه السلام : (من أذن سبع سنين محتسبا جاء يوم القيامة ولا ذنب له..).
فعلماء النفس قد بينوا أن نجاح أي تجربة روحية أو نفسية لا يبين إلا بعد سبع سنين ،فالعلاقات مثلا من زوجية أو غيرها لا تبين حقيقتها إلا بعد السن السابعة من شروعها حيث تتكشف النوايا الحقيقية للطرفين و الطباع الأصلية تظهر للعيان ، فإما أن يظهر التكيف و التطبع  أو النفور بلا تورع ، فكلام الإمام و قوله سبع سنين ليس بعابث في العدد ، إذ أنه يقصد المواصلة بالتحبب للمولى في العمل ، فالمتودد لله أولى بغفران الذنوب ..
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ( من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة ، وجبت له الجنة )..
حيث أن المؤذن قد تجاهر بصوت الإيمان سنة كاملة .. و دعى إلى الله جامعا للمسلمين..
عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله ، قال رضي الله عنه : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله، إنهم يجتلدون على الأذان ، قال : كلا ، إنه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم ، و تلك لحوم حرمها الله على النار..
و هذا ما تسالم عليه هذا الزمن  ، حيث ترى الناس قد نفروا عن المساجد فضلا عن الأذان .. فلو أدرك الناس ما في الأذان من فضل لتجالدوا عليه بالسياط .
كما أنه قد روي أن من سمع الأذان و قال كما يقول المؤذن زيد في رزقه ..

أسرار الوضوء و الطهارة

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

قال تعالى : [ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (1)..
أمر التطهر و الوضوء مستنبط من هذه الآية الكريمة ، و لكن هناك ما هو أكثر من ذلك ! وهو اعتبار هذا الأمر نعمة إلهية للعبد  المؤمن .. فمن التأمل يتضح لنا أن المولى جل وعلا  لما من علينا بتعليمنا كيفية عبادته بالوضوء ، أخبرنا في  مورد آخر بأنه يحب التوابين و يحب المتطهرين فالطهارة طهارتان  طهارة البدن و طهارة الروح ، فطهارة البدن معروفة الكيفية من الآيات القرآنية أو الأحاديث المروية .. أما طهارة الروح فلا تحصل إلا بتوجيه النية و هذا لا ينال إلا بمعرفة الأسرار المروية عن الوضوء خاصة ..
فالكثير من الناس يتساءل عن أسباب كون الوضوء بهذه الكيفية
وذلك قد ورد في الرواية الآتية : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله و سألوه عن مسائل، فكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمد لأي علة توضيء هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد ؟؟!قال النبي صلى الله عليه وآله: ( لما أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام دنا من الشجرة ، فنظر إليها فذهب ماء وجهه ،  ثم قام ومشى إليها  و هي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي و الحلل عن جسده ، فوضع آدم     عليه السلام يده على أم رأسه و بكى ، فلما تاب الله عليه فرض عليه و على ذريته تطهير هذه الجوارح فأمره بغسل الوجه لما     نظر إلى الشجرة ،و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، و أمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه و أمره بغسل المرفقين لما مشى بهما إلى الخطيئة)(1)..
فالوضوء في حد ذاته عبادة استغفارية ملموسة ، و نفحات تأديبية مهموسة ،من المفروض أن  يلتمسها العبد من مولاه الأكرم بعد أن يطهر النفس من كل رجس و دنيئة مدسوسة .. فكم و كم نظر العباد إلى المحرمات، و كم وكم  سعوا إلى اقتراف الدنيات، و كم وكم ندموا برهة ثم عادوا يلهثون خلف المغريات .. فالوضوء المطهر للبواطن خير علاج لكل دنس متزامن ..فليذكر المذنب ذنوبه حيين الوضوء كل عضو بعضوه فالعين تستغفر لما نظرت، و اليد لما اقترفت ، و الرأس بالندم ممسوح و الرجل لما سعت نحو كل ما يقترف ، هذا في الواجبات… أما في المستحبات فالكف أيضا تقترف المهالك والأنف أيضا يشم الريح الذي تجره للدرب الشائك، و الفم هو أخطر أداة لإظهار الخفيات النفسية،  فقد يسلم و يشرك ..
عن الإمام الصادق عليه السلام  قال :  بينما أمير المؤمنين قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال : يا محمد ائتني بإناء  فيه  ماء ، فأتاه به ، فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال : (الحمد  لله الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا) ، ثم استنجى فقال : ( اللهم حصن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمها على النار ) ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و طيبها و ريحانها ، ثم تمضمض فقال : ( اللهم  أنطق لساني بذكرك و اجعلني ممن ترضى عنه ) ، ثم غسل وجهه فقال : (اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه) ، ثم غسل يمينه فقال:  ( اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد بيساري) ،  ثم غسل شماله فقال : ( اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و أعوذ بك من مقطعات النيران )، ثم مسح على رأسه فقال : (اللهم غشني برحمتك و بركاتك و عفوك ) ، ثم مسح على رجليه فقال : ( اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني ) ثم التفت إلى محمد فقال : يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت و قال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره و يهلله و يكتب له ثواب ذلك(1)..
فالمزج في المشاعر المتوجهة للمولى لا يضر،  و القصد لمعنى الكلام الوارد عن أمير المؤمنين و الالتزام بالمأثور عنه يجعل الموالي ضمن شيعته التابعين له ، فهكذا يؤدب علي عليه السلام شيعته ..فالطالب للفنون العبادية لابد أن يسأل و يستفهم  عن المعاني اللفظية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام كي يتوجه بلذيذ المرام إلى الرب العلام ..

الرجاء

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

الرجاء هو السعي نحو نيل الأمور المرغوبة لغة .. و هو محاولة نيل المحبوب من الله خصوصا ، عند أهل الاصطلاح ..وله أنواع عديدة ..منها :
(1 ) الراجي الكاذب: كالذي لديه مقدرة العبادة ، ويتمنى أن يكون عابدا زاهدا..فما الذي يمنعه من أن يكون كذلك ؟؟!
(2 ) الراجي المغرور : كالذي لا يسعى لتطوير نفسه عباديا و يشعر بالرضا العام و القناعة أنه من الزاهدين الذين و فوا بالشكر للمولى جل و علا ..
(3 ) الراجي الصادق : و هو العامل بجد و إخلاص و يقين للمولى جل و علا منتظرا القبول منه بعد أن قام بالمطلوب منه .. فهو الراجي الأمثل ..
و هناك الكثير الكثير من الأنواع و الصور للزاهدين و لا يثمر منهم سوى الصادق في العبادة أمين .. و لكن الصورة الأخطر هم الذين يدعون حسن الظن بالله و هم لا يعملون .. فحسن الظن في حد ذاته منزلة إيمانية عظيمة ، حيث يقول المولى جل وعلا في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي فليظن ما شاء)، و لكن هذا لا يعني أن يكون العبد مستهينا بالله عاصيا له ..فقد ورد من الأخبار المتواترة خبر عن قوم  كانوا في زمن الإمام الصادق  يلمون بالمعاصي ، وإذا خاطبهم الناس بطلب الامتثال قالوا نحن نرجو  ، متجاهلين أنه الآمر بأداء الفرائض ..فكان جواب الإمام : (كذبوا فمن رجي شيئا عمل له و من خاف شيئا   هرب منه)(1) فهذا دليل على أن نيل الثواب الجزيل لا يكون إلا بالعمل الصالح الجميل للجميل ..
فرجاء المغفرة لا يكون إلا بالإلحاح في الاستغفار و المعذرة ، فالباكي ندما مستغفرا من الذنوب والأوزار أولى بحسن الظن من المدعي المهذار ..
و الراجي للخير المحسن بالظن صادقا يجب أن يلتفت إلى نفسه وميزانيتها كي لا يخلق الرجاء عنده التهاون في أداء الواجبات فضلا عن المستحبات ، فما إن يحس المؤمن بالثقل و الكسل فعليه أن يوجد العلاج بالعجل .. أي عليه أن يسارع بقراءة آيات الزجر و الحث حتى  يكون لجذور الكسل و التهاون مجتث ..

الخوف والرجاء

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

قال الله في محكم كتابه :[  اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ].. صدق الله العلي العظيم ..فالحق في التقوى لا يكون إلا بعد المعرفة بها … والعلم بكيفية الولوغ والاستغراق في أنواعها ، وتفهم محتوياتها …
فالتقوى هي الخوف بشكل عام في اللغة ..أما في الاصطلاح الأخلاقي والعبادي فالتقوى هي خصوص الخوف من المولى جل وعلا .. وتنقسم لقسمين :
1- الخوف الحسي :وهو ما كان خوفا من نيل العقاب كخوف العبد  من عصا مولاه، أو خوف الصبي المميز من الأفعى أو العقرب أو النار ..والمكلف المتعبد بهذا الخوف يقتصر على العبادة الواجبة والمفروضة فقط خوفا من النار وبئس القرار ..والعابد التاجر أيضا يتعبد بهذه الكيفية خوفا من الخسارة ويؤدي الفرائض والمستحبات للفوز بنيل الرغبات وعدم الوقوع في المحذورات ، وبئس التلعات ..
2- الخوف العقلي :وهو خوف الأحرار من المولى جل وعلا..كخوف أمير المؤمنين عليه السلام حينما يقول في دعاء كميل : ( وهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك  )(2) فبهذه الحالة العبادية و هذه الكيفية يتحقق الخوف الحر ، و يحصل البر..
فهــو الـذي قـال: ( عبدتك لا خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك ، و لكني رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك ..) .
فعلى العبد أن ينظر متفكرا في نفسه ، هل أن عبادته و صلاته ناتجة لخوف من الرب الجليل من عقابه بالويل ؟؟! أم هي خوف من الخسارة  وكساد التجارة ؟؟!أم أنها محضة لا تقبل القسمين السابقين ؟؟! أي أنه لو لم يكن هناك مبدأ الثواب و العقاب هل كان هذا المكلف سيتعبد شاكرا للمولى جل و علا؟؟! أرجو أن يكون المكلف صريحا مع نفسه في هذه الأسئلة، كي يستفيد من جميع الأمثلة ، و يطور نفسه لبلوغ  أعلى و أرقى معاني العبادة الممتثلة ..
فالميزان العام المتكون في النفسية على البديهة ( إن الإيمان يزيد بزيادة الخوف و ينقص بنقصانه ) ، فهو المربي العام و المغذي الأمثل لروحية المسلم و المؤمن .. كما أنه يستحب للمؤمن أن يستمع و يقرأ ويتابع أخبار الخائفين بل و يجالسهم إن أمكن كي يستقي من فيوض تعاليمهم .. كالصحابي الجليل أويس القرني رحمه الله  .. وغيره..
و الفقهاء قد أفتونا مأجورين في الخوف أن منه ما هو محرم ، كالخوف الذي يوصل العبد لدرجة القنوط و اليأس من  رحمة الله سبحانه و تعالى ، فهو الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء .. و الخوف المستحب هو الذي يدفع العبد للامتثال حتى في أداء المستحبات و الأذكار و عدم نسيان العبادة في أي وقت من الأوقات .. و أما الخوف الواجب فهو كالخوف الحسي الذي مر ذكره سالفا ، أي الخوف الذي يدفع العبد لأداء الفرائض و عدم التخلف عنها ، أي أ،ه الرادع العام في نفسية المسلم الملتزم بالتعاليم  الإسلامية ..
هل الخوف من الله ضعف في الشخصية ؟؟!

قال الإمام الصادق عليه السلام: ( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، و من لم يخف الله أخافه الله من  كل شيء ..).
التحليل و الإيضاح : قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :[إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ](2) و في مورد آخر :[أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]

مما يدل على أن التعلق بالمولى جل و علا  هي الجهة التي يتعلق بها كل قوي و ضعيف و الجهة التي يتضرع لها في الشدائد كل وضيع و شريف تخلق للعباد طمأنينة عن كل ما سواه .. فحينما يشعر العبد بتسديد المولى له تنبع طمأنينة العبد من خوفه من خوفه من الله و إيمانه به عمن سواه فلا يخشى غير الله .. وهذا مما يعد قوة في الشخصية لا ضعف .. بل هذه هي القوة بعينها كامنة بين جوانح القلب المؤمن بالله سبحانه وتعالى ..

كيفية الخوف ..

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : (خف الله و كأنك تراه ، فإن كنت   لا تراه فإنه يراك ، و إن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم  أنه يراك و برزت له  بالمعصية ، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك )..
الشعور العام بوجود الرقيب ، والامتثال النفسي بطاعة الحبيب المجيب، يخلقان للإنسان جوا من الانقياد و الشعور بلذة العبودية خصوصا حين الشعور بالسعي الإيجابي نحو المثالية.. فعليه يكون العبد ساعيا لمرضاة ربه مبرهنا على صدق دعوى حبه .. مريحا لضميره و لبه .. فكلما أدرك الإنسان الوهن في إيمانه و التكاسل في أداء فرائضه ، أو نوافله إن كان معتادا عليها ..فعليه بقراءة آيات الزجر و التخويف ليندفع منطلقا تجاه العبادة الحقة ، مسترسلا يلف حوله سلاسل رقه ، معترفا و مقرا له بالطاعة و التقصير .. و إما رأى نفسه قد يأست من رحمة الله أو قنطت من مغفرة المولى فليسارع نحو قراءة آيات الرحمة و المغفرة ليساوي ميزانه نحو الحالة العادلة و ذلك هو الرجاء الذي سيأتي الكلام عليه ..

الفــن و الصنـاعـة

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

من المتعارف عنـد كل عارف بأن الصناعة : هو كل ما كان له تطبيقا فعليا في الخارج ، و الفن كذلك ، لكنه يتميز بإظهار جودة الصناعة والعمل بالكيفية المقبولة لدى المطلع عليها ، فهذه المعلومة فكــرة معروفة و معلومة ..
لهذا ، كان مما لا بد منه معرفة الفنون العبادية قبل الدخول في حضرة القداسة الأنقيادية ، كي تتمثل النفس و تتشكل في قوالب الأهداف الارادية طاردة كل الهفوات اللاإرادية ، فتنصب  بمشاعرها مشعلة منصهرة في  كؤوس الخشوع و العبودية ،و هذا يتطلب تهذيب  السلوك من المقدمات للمتممـــات كما قال السالكون بالأخذ مما روي عن أحوال أهل البيت عليه السلام حين مقابلة ملك الملوك في الرخاء وحين التمام الملمات ..
فعلينا أولا الاستعداد بالتمهيد للقاء الرحيم الشديد ، آخذين في الاعتبارات العقلية بأنه لا تنفتح أبواب الإنارة الغيبية إلا بمفاتيح الطهارة القلبية ، وهي لا تتحقق إلا بإزاحة الأفكار الريبية . للولوج بالرقي لمدارج  الفنون و التلذذ بألطاف من هو أكثر من قلب الأمهات حنـــــون..
فمما هو مفروغ  منه ، و معلوم عنه ، أن الصلاة هدية لخالق البرية ، ومعبرة عن الشكر له  بأذكار سرمدية توقظ البشرية من صنوف الغفلات ، و تجعله يستغفر المتعال  الغافر بالدموع والآهات ، فلذا قال عنها سيد البريات: (الصلاة صابون الخطايا) ، وكانت أول شهادة من الموالي للآل الأطهار في شتى الزيارات : ( أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر…)(1) فهي (عمـــود الدين) إذا ما اختلت بركن من أركانها عمدا أو سهوا أو تهاونا خرت خيمة الدين ..  فهي قرة عين الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم ، و حليفة البتول عليها السلام و حضرت الحسين عليه السلام في كربلاء  تنعشه  في حرارة تلك الفلول ..
أرأيت لو عالجك طبيب بشفاء خدوش أو جرح ، لتملكك الفرح ، ستشكره ولن تسترح حتى تنفق له هدية برضا قلبك السمح ، فكيف بالخالق الجليل ؟؟! الذي أوجدك ؟ والطبيب الذي بغيره الشفاء يستحيل، ألا تهديه الركوع بالخشوع ؟؟!والسجود بالخضوع ؟!!
فعلى الداخل في العبودية ،و فاتح مصاريع أبواب العبادات المرجية أن يعلم بأن قدسية المولى جل وعلا عن صلاته غنية ، فلا يزكين نفسه عن النفوس الغيرية ، فإنه لا بد أن يلحظ ما فيه من سلبية ، فيخطرها لحصول السببية ،للخضوع تحت ضلال الربوبية ، و الابتهال بالمأثور من أقوال الآل عليهم السلام..
فالصلاة عند أهل الصناعة الفقهية هي تلك الأفعال والأقوال من ركوع أو سجود أو تكبير مقرونة  بالنيــة فإن كانت بهذا الوجه مأتية فهي مجزيـة ، ولكن أهل الفنون يزيدون ويضيفون بأنها لحظات اللقاء العشقية و التلذذ بالرقية ، فوضعوا لها التمهيدات والاستعدادات والكيفيات المروية والعلاجات الشافيـة ..

مقدمة في أسرار الصلاة

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

المقــــدمة

لو نظر الإنسان إلى نفسه نظرة الفــاحص الممحص لوجد أنه يحتاج للكثير الكثير حتى يصير مرتاح الضمير فـي هذه الدنيا الفانية ، و هذا ليس بالشيء اليسير نيله أو السهل سبيله ، فلا بد للفرد الناجح أن يطور ما يريد النجاح فيه كما هو المتصور ، و المتأمل لكل طريق متأوّل لا بد له من إدراك الحقائق الحسية المندمجة بالمفاهيم الذهنية جافيا بذلك الخط العسير ومشقة الترويض في منهاج المسير كل ما كان له وجودا خارجيا ذو طعم ولون يخطف بالأبصار للحصول على مباهج الاستبصار والتشرف بخدمة المتعال الجبار، تلك أماني أهل الدين و خصوصا من السالكين للسلوك الملكوتي.. فالعجب العجب من أهل الطلب يمهدون لكل ما يريدون ،يسعون و يطوّرون حتى يفوزون بما بذل له الرجاء الملح ، و لكنهم ينسون في لحظات الرخاء الموفّق ذو الخير المتدفق فيعبدونه بعبادة قد باد ثوبها المتمزق ، تخلو جميع جنباتها من لهجات المحب العاشق ، حتى تتكلم الدنيا في آذانهم هامسة بطعوم النغمات ، لتتنفس النفس صاغرة بلهيب الزفرات على ما وجب إنجازه وما فات ، فيلبس الغافلون الثياب اللامعة بعيون ساطعة طامعة لسبيل الملذات ، فيحيك الشيطان من صناعته باقي خلع الكربات .. فلهذا وجب وقوف النفس صاغـرة عند مظان الخشوع ، و مطيلة لانحناءات الركوع ، و إغراق السجود بالاستغراق في الدموع حتى تتكلل بزفرة الضلوع ، و الشروع لا يتكون إلا بمعـرفـة تفتـح مصــاريع الأذهان بروايات سادات الزمان عليهم من السلام السلام .. لما ورد آنفا كان لا بد لي من السير مسعفا جروحي قبل جروح الآخرين بالبحث عن المضامين في هدية العبد لرب العالمين حتى أكتب من المصلين ، فرأيت التربية السلوكية الحقة ، والأنفاس الملتهبة بالمشاعر و الرقة وإقامة الصلاة بدقة ، عند من أنزلهم الله لنافي هذه الخليقة لنشر كل حقيقة لا بد لنا من معرفتها ، فهم الحجج الدامغة لكل فكرة زائغة ..

روايات نختتم بها دورتنا.

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

روى داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي (عليهماالسلام) من قرأها كان مع الحسين بن علي (عليهماالسلام) يوم القيامة في درجته من الجنة .
تفسير مجمع البيان ج10 ص 305
كما وروي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنّه قال: «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم فإنّها سورة الحسين بن علي، مَن قرأها كان مع الحسين بن علي يوم القيامة في دوحته من الجنّة».
يمكن أن يكون وصف السّورة بسورة الإمام الحسين(عليه السلام) بلحاظ أنّه أفضل مصاديق ما جاء في آخر آياتها، حيث فيما ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير الآية الأخيرة من السّورة: إنّ «النفس المطمئنة» هو الحسين بن علي(عليهما السلام).
أو قد يكون بلحاظ لـ «ليال عشر» المقسوم بها في أوّل السّورة، حيث من ضمن تفاسيرها أنّها: ليالي محرم العشرة، المتعلقة بشهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وعلى أيّة حال، فثوابها لمن تبصر في قراءتها وعمل على ضوءها.
تفسير الأمثل مكارم الشيرازي ج20 ص17
روى محمد بن العباس بإسناده عن الحسن بن محبوب بإسناده عن صندل، عن دارم بن فرقد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فانها سورة الحسين بن علي عليهما السلام وارغبوا فيها رحمكم الله تعالى، فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس: وكيف صارت هذه السورة للحسين عليه السلام خاصة ؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله تعالى: ” يا أيتها النفس المطمئنة ” الآية إنما يعني الحسين بن علي عليهما السلام فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية، وأصحابه من آل محمد صلى الله عليه وآله هم الراضون عن الله يوم القيامة، وهو راض عنهم. وهذه السورة في الحسين بن علي عليهما السلام وشيعته وشيعة آل محمد خاصة، من أدمن قراءة ” والفجر ” كان مع الحسين بن علي عليهما السلام في درجته في الجنة، إن الله عزيز حكيم.
جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن ابن البطائني، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية
فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ” يعني الحسين بن علي عليهما السلام.
البحار ج44 ص218
علي بن محمد رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل ” فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ” قال: حسب فرأى ما يحل بالحسين عليه السلام فقال: إني سقيم
لما يحل بالحسين عليه السلام
الكافي ج1 ص465
أبي، عن سعد، عن ابن يزيد، وابن هاشم، عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: ” وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ” قال:نزلت في الحسين بن علي عليهما السلام.
كمال الدين
كتاب النوادر لعلي بن أسباط، عن ثعلبة بن ميمون، عن الحسن بن زياد العطار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة ” قال: نزلت في الحسن بن علي عليهما السلام أمره الله بالكف قال: قلت: ” فلما كتب عليهم القتال ” قال: نزلت في الحسين بن علي عليهما السلام كتب الله عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه. قال علي بن أسباط: ورواه بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام وقال، لو قاتل معه أهل الأرض كلهم لقتلوا كلهم.
البحار نفس المصدر والصفحة المذكور سابقا..
ابن حشيش، عن أبي المفضل الشيباني،، عن محمد بن محمد بن معقل القرميسيني، عن محمد بن أبي الصهبان، عن البزنطي، عن كرام بن عمرو، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد عليهما السلام يقولان: إن الله تعالى عوض الحسين عليه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره. قال محمد بن مسلم: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: هذه الخلال تنال بالحسين عليه السلام فماله في نفسه ؟ قال: إن الله تعالى ألحقه بالنبي، فكان معه في درجته ومنزلته، ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام: ” والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم “.. البحار نفس الجزء
عن إدريس مولى لعبد الله بن جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير هذه الآية ” ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ” مع الحسن ” وأقيموا الصلاة فلما كتب عليهم القتال” مع الحسين ” قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ” إلى خروج القائم عليه السلام فان معه النصر والظفر، قال الله: ” قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ” تفسير العياشي..
عن المعلى بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: قتل النفس التي حرم الله، فقد قتلوا الحسين في أهل بيته..
تفسير العياشي..
عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية في الحسين ” ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف [في القتل] ” قاتل الحسين ” إنه كان منصورا ” قال: الحسين عليه السلام
تفسير العياشي..
كما تلاحظون يا أحبائي هناك الكثير الذي لا حصر له من الآيات التي نزلت في سيدنا ومولانا الحسين عليه السلام كما وأن هناك كثير من الآيات نقشت معركة كربلاء بتخطيط قرآني وتربية روحية قرآنية

التنبيهات القرآنية في البطولة الحسينية ..التسليم لله سبحانه..

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

في كتاب مقتل الحسين ( ع ) لابي مخنف :
ان الحسين عليه السلام بعد أن بلغه قتل مسلم وهاني ونزوله بالعقبة قال له بعض من حضرنا : فانشدك الله الا ما رجعت ،فوالله ما تقدم الا على أطراف الاسنة وحرارات السيوف ،
وان هؤلاء القوم الذين بعثوا اليك لو كان فيهم صلاح ، لكفوك مؤنة الحرب والقتال ، وطيبوا لك الطريق ، ولكان الوصول اليهم رأيا سديدا ، فالرأي عندنا ان ترجع عنهم ولا تقدم عليهم ،
فقال له الحسين عليه السلام : صدقت ياعبدالله فيما تقول ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا..
وهذه الآية كثيرا ما تمر علينا في القرآن الكريم ولكنها تشربت في نفس الحسين عليه السلام بمستواه الإمامي وعلو منزلته السامية.. فتراه لا يركن للعقل الشخصي أمام المصير الفدائي
الذي كتبه الله له بتخطيط المولى جل وعلا اللا محدود _ولا يدركه العقل البشري المحدود_ وأخبره به جده رسول الله صلى الله عليه وآله..
كثير من المواقف السياسية عبر التأريخ تسببت بتحول الصراع المبدئي من أجل الحق إلى فنون قتالية عسكرية مجردة عن كل تلك المباديء التي صورع من أجلها أصلا..وفي تلك الحالة
ينجح العدو الظالم بإعلامه إلى حرف القضية المبدأية إلى قوانين الصراع العسكري المعروفة.. فتتحول الأنظار للهدف الجديد المستحدث في المواقف المتبلورة والمترددة عبر ذبذبات
معطيات القضايا العامة والخاصة الدينية والدنيوية.. وهذا ما يحصل الآن في سياسات الدول فيما بينها..
ولكن حينما يجعل الحسين عليه السلام القضية نصب عينيه يدافع بكل ما أوتي من قوة لهدف رئيسي وهو رضا الله سبحانه وتعالى وهدف متمخض عنه وهو تحقيق النصر للهوية الدينية
التي ناضل من أجلها حينما لم يكن غيره يتكلم عن الدين ورضا المولى جل وعلا.. نعم لو لاحظنا التأريخ لوجدنا ثورات متعددة هنا وهناك ولكن لن نجد الهدف نفسه وإنما أهدافا قد تكون
سياسية أو عسكرية أو أو أو….
فخروج الحسين عليه السلام ليقضي الله أمرا كان مفعولا .. والأمر هو النتيجة العاشورائية من الذبح والسبي وحمل الرؤوس ..الخ وهو يعلمها يعطينا درسا واضح المعالم في
تحصيل طاعة المولى في مثل هذه المواقف بكيفياتها الخاصة .. فقد استند على رواية نبوية هو من أحد رواتها وانطلق منبعثا لأمر الله جل وعلا..
في ارشاد المفيد رحمه الله في مقتل الحسين:
فسار الحسين عليه السلام إلى مكة وهو يقرأ ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ) ولزم الطريق الاعظم فقال له أهل بيته : لو تنكبت الطريق الاعظم كما
صنع ابن الزبير لئلا يلحق الطلب فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضى الله ماهو قاض ، ولما دخل الحسين عليه السلام مكة كان دخوله اليها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها
وهو يقول : ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل ) .
وهذا درس في التعامل مع المصائب بأحراز قرآنية أصيلة والشعور بها.. وقد كان الحسين عليه السلام متمثلا بموسى عليه السلام حيث خرج من المدينة مترقبا.. وأما عن طلب
النجاة من المولى جل وعلا حين الخطر فهو واجب على كل مسلم ومسلمة للخلاص بغض النظر عن كونه طبيعة بشرية لغير المسلم أيضا حيث وردت الكثير من الحكايات عن الكفار أنهم
يدعون قوة خفية واحدة لإنقاذهم حيث تتجلى لهم تلك القوة حين الخطر..وقد قال تعالى في محكم كتابه: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ..
وعلى هذا فالتوجه لله بهذه الآية أيها الحسنيون منجي _ فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين_ فقد تلاها سيدنا ومولانا الحسين عليه السلام في حال الخطر..
وإذا وصلتم للمكان المطلوب إتلوا قوله تعالى : ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل..
وهكذا نتعلم أن نكون قرآنيين في حياتنا حيث أن القرآن الكريم يحرك عجلة الحياة نحو النجاة والسمو والتطوير الذاتي والروحي
شذرات من الآيات القرآنية نطقها الحسين عليه السلام في مواقفه البطولية..
يعرف الشخص المطبق للشريعة بمدى التزامه بها وبمقولاتها وبالكلام المقدس النابع من منابعها ،كما يعرف ابن الدواوين بالاشعار والامثال الشعبية ولكل بيئته الخاصة به.. ومن ها
المنطلق نستعرض بعض الآيات القرآنية التي قرأها سيدنا ومولانا في مواقفه البطولية المقدسة..
في كتاب مقتل الحسين ( ع ) لابى مخنف ان الحسين عليه السلام قام يتمشى إلى عبيد الله بن الحر الجعفى وهو في فسطاطه حتى دخل عليه وسلم عليه ، فقالم اليه ابن الحر وأخلى له
المجلس ، فجلس ودعاه إلى نصرته فقال عبيد الله بن الحر : والله ما خرجت من الكوفة الا مخافة أن تدخلها ، ولا اقاتل معك ، ولو قاتلت لكنت أول مقتول ،ولكن هذا سيفى وفرسى
فخذهما ، فأعرض عنه بوجهه فقال : اذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في مالك ” وما كنت متخذ المضلين عضدا ” .
وهذا يدل على أن التخاذل عن نصرة الدين ضلال بلسان الحسين عليه السلام ولا داعي لقبول المتخاذلين في النصرة الحسينية..
في ارشاد المفيد رحمه الله في مقتل الحسين عليه السلام : ان الحسين عليه السلام مشى إلى مسلم بن عوسجة لما صرع فاذا به رمق فقال : رحمك الله يا مسلم ( فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .
في كتاب مقتل الحسين لابى مخنف ان الحسين عليه السلام لما أخبر بقتل رسوله عبدالله بن يقطر تغرغرت عينه بالدموع وفاضت على خديه ثم قال : ( ومنهم من قضى نحبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .
في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ان اصحاب الحسين عليه السلام بكربلاء كانوا كل من أراد الخروج ودع الحسين عليه السلام وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه :
وعليك السلام ونحن خلفك ويقرأ ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) .
وكذلك أن هذه الآية الكريمة قد تكررت كثيرا على لسان الإمام عليه السلام وأتمنى أن يكررها المؤمنون ويتذكروا واقعة الطف الأليمة التي لم يبخل فيها أصحاب الحسين عليه السلام عن
أرواحهم دون ابن رسول الله ولم يأسوا ولم يهنوا ولم ينكلوا..
مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف قال الضحاك بن عبد الله: مرت بنا خيل ابن سعد (لعنه الله) تحرسنا، وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ: ” لا تحسبن الذين
كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ”
بداية الإمتحان لأصحاب الحسين عليه السلام كانت واضحة المعالم وهذه الآيات تستخدم كدعاء في داخل النفس على الظالمين .. وفي مثل هذه الإمتحانات يتميز الناس ويتبين المعدن
الحقيقي..

البحث عن آثار تسمية كربلاء في القرآن

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

كلمات الإمام الحسين عليه السلام للشيخ الشريفي..كتاب الخرايج والجرايح الجزء الثاني تأليف سعد بن هبة الله بن الحسن الراوندي رحمه الله .. مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان..مستدرك سفينة البحار الجزء السابع..معجم أحاديث المهدي الجزء الخامس..بحار الأنوار الجزء الخامس والأربعون….والباقي نذكره حين الطلب..

وعن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن فضيل، عن سعد الجلاب عن جابر، عن، أبى جعفر عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام لاصحابه قبل أن يقتل: (إن رسول الله قال لي): يا بني إنك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عمورا، وإنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم.. يكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم، فابشروا، فوالله لئن قتلونا فانا نرد على نبينا..الخ الرواية..


عمورا..
تعني كربلاء بالكتابة المسمارية واللغة الآكدية ومن معانيها الطوفان المدمر..

ولكن تلاوة النبي صلى الله عليه وآله ألا تعني شيئا ؟؟!!
وما ينطق عن الهوى !!
فتشبيه الحسين عليه السلام بإبراهيم عليه السلام دليل على مدى الظلم والضيم اللذان قد لاقاهما في معركته البطولية..
وتلاوة هذه الآية في مثل هذه الرواية دليل واضح على أن الحسين عليه السلام وقف مواقف الأنبياء بشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. والحر تكفيه الإشارة ..

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبدالله القمى كما في كتاب المناقب لابن شهراشوب..زذكرهما صاحب تفسير الثقلين في الجزء الثالث..
عن الحجة القائم عليه السلام حديث طويل وفيه : قلت : فأخبرنى يا بن رسول الله عن تأويل
كهيعص قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، اطلع الله عبد زكريا عليها ، ثم قصها
على محمد صلى الله عليه واله ، وذلك ان زكريا عليه السلام سأل ربه ان يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط الله عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه اياها ، فكان زكريا اذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه ، واذا ذكر الحسين عليه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة فقال ذات يوم : الهى ما بالى اذا ذكرت أربعا منهم عليهم السلام تسليت بأسمائهم من همومى ، واذا ذكرت الحسين عليه السلام تدمع عينى وتثور زفرتى ؟ فأنبأه تبارك وتعالى عن قصته ، فقال : ” كهيعص ” فالكاف اسم كربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد لعنه الله وهو ظالم الحسين ، والعين عطشه ، والصاد صبره ، فلما سمع بذلك زكريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلثة أيام ، ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء و النحيب ، وكانت ندبته : الهى أتفجع خير خلقك بولده ؟ أتنزل بلوى هذه الرزية بفناءه ؟ اتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، ؟ الهى أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ؟ ثم كان يقول : الهى ارزقنى ولدا تقر به عينى عند الكبر ، واجعله وارثا ووصيا ، واجعل محله منى محل الحسين عليه السلام فاذا رزقتنيه فافتنى بحبه وبه أفجعنى به كما تفجع محمدا حبيبك صلى الله عليه واله بولده ، فرزقه الله يحيى عليه السلام وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر ، وحمل الحسين عليه السلام كذلك .وذكره صاحب التفسير الأصفى الفيض الكاشاني..
ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل..
لثّانية: تفسر هذه الحروف المقطعة بحادثة ثورة الإِمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء، فالكاف إِشارة إِلى كربلاء، والهاء إِشارة إِلى هلاك عترة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والياء إِشارة إِلى يزيد، والعين إِشارة إِلى مسألة العطش، والصاد إِشارة إِلى صبر وثبات الحسين وأصحابه المضحين..

في تهذيب الاحكام أبوالقاسم جعفر بن محمد عن محمد بن الحسن ابن على بن مهزيار عن أبيه عن جده على بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن على بن الحكم عن مخرمة بن ربعى قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : شاطئ الوادى الايمن الذى ذكره الله في القرآن هو الفرات ، والبقعة المباركة هى كربلاء .
وقد ذكر هذه الرواية صاحب تفسير الصافي الفيض الكاشاني..
ولا يخفى أن تسميات أخرى دخلت في قصص الأنبياء كنينوى وغيرها كانت أيضا دالة على كربلاء.. نينوى، اسم عدّة مناطق; الاُولى: مدينة قرب الموصل، والاُخرى في ضواحي الكوفة في جهة كربلاء، ومدينة في آسيا الصغرى، عاصمة مملكة آشور وتقع عاى ضفاف نهر دجلة (دائرة المعارف ده خدا) والبعض الآخر قال: إنّ نينوى هي أكبر مدن مملكة آشور الواقعة في الضفّة الشرقية لنهر دجلة وقد بنيت مقابل الموصل (معجم قصص القرآن).

وهكذا فإننا لوبحثنا عن الآثار لوجدناهادون التعاطف الغير مجدي بل بالتتبع لروايات أهل البيت عليهم السلام وكل نبي أو وصي نبي كان يمر على كربلاء عارفا بما سيجري على هذه الأرض الطاهرة التي خصبتها دماء الحسين عليه السلام وأصحابه .. عليهم السلام..
نكتفي بهذا القدر اليوم بالبحث عن آثر كربلاء بين طيات التفاسير والروايات الواضحة التي لا لبس فيها كونها متواترة في حالات أو متناقلة بين المفسرين.. يكفي لإبرازها شيئا من المعاني المطلوب إبرازها..للموالين.. وشكرا
واعذروني على التقصير.. ولو بحثتم في كلمة عمورا لوجدتم الكثير فيما يخص الإنجيل والكتب السماوية.. وأحس بأن الوقت ضايقني..
شكرا لكم ومأجورين