أسرار الوضوء و الطهارة

image_pdfimage_print

قال تعالى : [ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (1)..
أمر التطهر و الوضوء مستنبط من هذه الآية الكريمة ، و لكن هناك ما هو أكثر من ذلك ! وهو اعتبار هذا الأمر نعمة إلهية للعبد  المؤمن .. فمن التأمل يتضح لنا أن المولى جل وعلا  لما من علينا بتعليمنا كيفية عبادته بالوضوء ، أخبرنا في  مورد آخر بأنه يحب التوابين و يحب المتطهرين فالطهارة طهارتان  طهارة البدن و طهارة الروح ، فطهارة البدن معروفة الكيفية من الآيات القرآنية أو الأحاديث المروية .. أما طهارة الروح فلا تحصل إلا بتوجيه النية و هذا لا ينال إلا بمعرفة الأسرار المروية عن الوضوء خاصة ..
فالكثير من الناس يتساءل عن أسباب كون الوضوء بهذه الكيفية
وذلك قد ورد في الرواية الآتية : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله و سألوه عن مسائل، فكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمد لأي علة توضيء هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد ؟؟!قال النبي صلى الله عليه وآله: ( لما أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام دنا من الشجرة ، فنظر إليها فذهب ماء وجهه ،  ثم قام ومشى إليها  و هي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي و الحلل عن جسده ، فوضع آدم     عليه السلام يده على أم رأسه و بكى ، فلما تاب الله عليه فرض عليه و على ذريته تطهير هذه الجوارح فأمره بغسل الوجه لما     نظر إلى الشجرة ،و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، و أمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه و أمره بغسل المرفقين لما مشى بهما إلى الخطيئة)(1)..
فالوضوء في حد ذاته عبادة استغفارية ملموسة ، و نفحات تأديبية مهموسة ،من المفروض أن  يلتمسها العبد من مولاه الأكرم بعد أن يطهر النفس من كل رجس و دنيئة مدسوسة .. فكم و كم نظر العباد إلى المحرمات، و كم وكم  سعوا إلى اقتراف الدنيات، و كم وكم ندموا برهة ثم عادوا يلهثون خلف المغريات .. فالوضوء المطهر للبواطن خير علاج لكل دنس متزامن ..فليذكر المذنب ذنوبه حيين الوضوء كل عضو بعضوه فالعين تستغفر لما نظرت، و اليد لما اقترفت ، و الرأس بالندم ممسوح و الرجل لما سعت نحو كل ما يقترف ، هذا في الواجبات… أما في المستحبات فالكف أيضا تقترف المهالك والأنف أيضا يشم الريح الذي تجره للدرب الشائك، و الفم هو أخطر أداة لإظهار الخفيات النفسية،  فقد يسلم و يشرك ..
عن الإمام الصادق عليه السلام  قال :  بينما أمير المؤمنين قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال : يا محمد ائتني بإناء  فيه  ماء ، فأتاه به ، فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال : (الحمد  لله الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا) ، ثم استنجى فقال : ( اللهم حصن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمها على النار ) ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و طيبها و ريحانها ، ثم تمضمض فقال : ( اللهم  أنطق لساني بذكرك و اجعلني ممن ترضى عنه ) ، ثم غسل وجهه فقال : (اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه) ، ثم غسل يمينه فقال:  ( اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد بيساري) ،  ثم غسل شماله فقال : ( اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و أعوذ بك من مقطعات النيران )، ثم مسح على رأسه فقال : (اللهم غشني برحمتك و بركاتك و عفوك ) ، ثم مسح على رجليه فقال : ( اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني ) ثم التفت إلى محمد فقال : يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت و قال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره و يهلله و يكتب له ثواب ذلك(1)..
فالمزج في المشاعر المتوجهة للمولى لا يضر،  و القصد لمعنى الكلام الوارد عن أمير المؤمنين و الالتزام بالمأثور عنه يجعل الموالي ضمن شيعته التابعين له ، فهكذا يؤدب علي عليه السلام شيعته ..فالطالب للفنون العبادية لابد أن يسأل و يستفهم  عن المعاني اللفظية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام كي يتوجه بلذيذ المرام إلى الرب العلام ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*