الأرشيف شهريا: يونيو 2012

image_pdfimage_print

بين الأذان و الإقامة

نشر على بواسطة .

طالما أن الأذان إعلام لدخول وقت الصلاة، فالإقامة مفتاح للدخول في رياضها، و لكل منهما استعداده الخاص للخوض فيه و الامتثال المعنوي الخاص ، لذا فإن الخروج من الأذان إلى الإقامة يحتاج لصلة تدريجية نوعا ما ، و التهيؤ للدخول من باب العبادة .. و الوقوف بين يدي الجبار الغفور ..
عن الإمام  الصادق عليه السلام  قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه : من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده : ( سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا ) يقول الله جل وعلا : ملائكتي و عزتي و جلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين و هيبته في قلوب المنافقين ..
من الواضح للعيان  أن الخاشع الذليل لله تعالى يعزه الله بين الناس و ينصره نصرا عزيزا ، فالخشوع بذلة النفس له جزاء العزة ..
عن ابن أبي عمير عن أبيه عن الإمام الصادق  عليه السلام قال : رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان و الإقامة فلما رفع رأسه قال : يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها و قال : من  أذن ثم سجد فقال:( لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاشعا خاضعا )، غفر الله له ذنوبه كلها..
فالخشوع هو الصلة الواقعة بين النداء و الأداء ، أي أنه الاستعداد الروحي المتضرع للرب الجليل و الحلة الأولى التي يلبسها المؤمن لمناجاة المهيمن ، فالمؤمن يستغل هذه الفرصة الذهبية ليتفاعل ذاكرا ذنوبه بمشاعره اللهبية ، من هنا يبدأ تصور المثول أمام المولى ومن هنا يبدأ التقلقل و التباكي أو البكاء ..
فأقرب ما يكون فيه العبد للمولى هو السجود ، ففيه يعترف متضرعا بنكران الوجود .. فعليه في هذه اللحظة بذل الكثير الكثير من المجهود ..
عن علي بن مهزيار عن الحسين بن أسد عن جعفر بن محمد بن يقظان رفعه إليهم : قال : يقول الرجل إذا فرغ من الأذان و جلس : (اللهم اجعل قلبي بارا و رزقي دارا و اجعل لي عند قبر نبيك قرارا و مستقرا )..
فالواضح بأفصح الأقوال أن لحظة الأذان و الإقامة لحظة يجب أن لا تفوت لعظمتها التي فيها الدعاء لا يموت ، فليستغلها العبد بكل ما أوتِ ،فهي تجمع للعبد منفعة الدارين الرزق و الرق ..فمن أراد الوقاء فعليه بسلاح البكاء ..

المواقيت

نشر على بواسطة .

من مبادئ توحيد صفوف المؤمنين و سياسة الاتحاد في المدرسة المحمدية أن يكون هناك أذان يجمع الناس في لقاء مع الرب الجليل ناشرا بينهم المودة و الألفة و يجعلهم كالبنيان المرصوص ،، كما و أنه يحسسهم بيوم الحشر و اجتماع الناس لرب العالمين ..
عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : (إنما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة، منها أن يكون تذكيرا للناس ، وتنبيها للغافل، و تعريفا لمن جهل الوقت و جهل عنه ، و يكون المؤذن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق، و مرغبا فيها، مقرا له بالتوحيد ، مجاهرا بالإيمان، معلنا بالإسلام ، مؤذنا لمن ينساها ، و إنما يقال له مؤذن لأنه يؤذن بالأذان بالصلاة ، و إنما بدأ منه بالتكبير و ختم بالتهليل لأن الله عز و جل أراد أن يكون الابتداء بذكره و اسمه ، و اسم الله في التكبير في أول الحرف و في التهليل في آخره ، و إنما جعل مثنى مثنى ليكون تكرارا في أذان المستمعين ، مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ، و لأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أول الأذان أربعا  لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة ، وليس قبله كلام ينبه المستمع إليه ، فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان و جعل
بعد التكبير ..) ..
فكما بين الإمام عليه السلام  بعض أسرار الأذان موضحا إياها للفضل بن شاذان ، بين أهميته بالنسبة للأمة الإسلامية ، فالمسارعة بالاستجابة لداعي الله يدرج المؤمنين في طريق الأبرار و كأنما هو اقتداء بحت بإمامة رسول الله ، حيث أن عليه أن يتخيل قيام الرسول في مثل هذا الوقت و إنه بذلك يتبعه و يستحق أن يكون من أنصار الدين ، و كما قال أمير المؤمنين في مبدأ الثواب و العقاب : (في أولها جزور و في آخرها زرزور ).فالشعور بنداء المولى أولى بالإتباع من نداء أي كان ، إلا الكسل، فعلى المؤمن محاربته قبل العمل .. و لن يكون ذلك إلا بعد إيكال الأمور كلها لله و الإيمان بقدرته على التوفيق حقيقة .. أي الجزم بذلك.
أجر المؤذن ..
عن الإمام الباقر عليه السلام : (من أذن سبع سنين محتسبا جاء يوم القيامة ولا ذنب له..).
فعلماء النفس قد بينوا أن نجاح أي تجربة روحية أو نفسية لا يبين إلا بعد سبع سنين ،فالعلاقات مثلا من زوجية أو غيرها لا تبين حقيقتها إلا بعد السن السابعة من شروعها حيث تتكشف النوايا الحقيقية للطرفين و الطباع الأصلية تظهر للعيان ، فإما أن يظهر التكيف و التطبع  أو النفور بلا تورع ، فكلام الإمام و قوله سبع سنين ليس بعابث في العدد ، إذ أنه يقصد المواصلة بالتحبب للمولى في العمل ، فالمتودد لله أولى بغفران الذنوب ..
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ( من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة ، وجبت له الجنة )..
حيث أن المؤذن قد تجاهر بصوت الإيمان سنة كاملة .. و دعى إلى الله جامعا للمسلمين..
عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله ، قال رضي الله عنه : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله، إنهم يجتلدون على الأذان ، قال : كلا ، إنه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم ، و تلك لحوم حرمها الله على النار..
و هذا ما تسالم عليه هذا الزمن  ، حيث ترى الناس قد نفروا عن المساجد فضلا عن الأذان .. فلو أدرك الناس ما في الأذان من فضل لتجالدوا عليه بالسياط .
كما أنه قد روي أن من سمع الأذان و قال كما يقول المؤذن زيد في رزقه ..

أسرار الوضوء و الطهارة

نشر على بواسطة .

قال تعالى : [ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (1)..
أمر التطهر و الوضوء مستنبط من هذه الآية الكريمة ، و لكن هناك ما هو أكثر من ذلك ! وهو اعتبار هذا الأمر نعمة إلهية للعبد  المؤمن .. فمن التأمل يتضح لنا أن المولى جل وعلا  لما من علينا بتعليمنا كيفية عبادته بالوضوء ، أخبرنا في  مورد آخر بأنه يحب التوابين و يحب المتطهرين فالطهارة طهارتان  طهارة البدن و طهارة الروح ، فطهارة البدن معروفة الكيفية من الآيات القرآنية أو الأحاديث المروية .. أما طهارة الروح فلا تحصل إلا بتوجيه النية و هذا لا ينال إلا بمعرفة الأسرار المروية عن الوضوء خاصة ..
فالكثير من الناس يتساءل عن أسباب كون الوضوء بهذه الكيفية
وذلك قد ورد في الرواية الآتية : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله و سألوه عن مسائل، فكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمد لأي علة توضيء هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد ؟؟!قال النبي صلى الله عليه وآله: ( لما أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام دنا من الشجرة ، فنظر إليها فذهب ماء وجهه ،  ثم قام ومشى إليها  و هي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي و الحلل عن جسده ، فوضع آدم     عليه السلام يده على أم رأسه و بكى ، فلما تاب الله عليه فرض عليه و على ذريته تطهير هذه الجوارح فأمره بغسل الوجه لما     نظر إلى الشجرة ،و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، و أمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه و أمره بغسل المرفقين لما مشى بهما إلى الخطيئة)(1)..
فالوضوء في حد ذاته عبادة استغفارية ملموسة ، و نفحات تأديبية مهموسة ،من المفروض أن  يلتمسها العبد من مولاه الأكرم بعد أن يطهر النفس من كل رجس و دنيئة مدسوسة .. فكم و كم نظر العباد إلى المحرمات، و كم وكم  سعوا إلى اقتراف الدنيات، و كم وكم ندموا برهة ثم عادوا يلهثون خلف المغريات .. فالوضوء المطهر للبواطن خير علاج لكل دنس متزامن ..فليذكر المذنب ذنوبه حيين الوضوء كل عضو بعضوه فالعين تستغفر لما نظرت، و اليد لما اقترفت ، و الرأس بالندم ممسوح و الرجل لما سعت نحو كل ما يقترف ، هذا في الواجبات… أما في المستحبات فالكف أيضا تقترف المهالك والأنف أيضا يشم الريح الذي تجره للدرب الشائك، و الفم هو أخطر أداة لإظهار الخفيات النفسية،  فقد يسلم و يشرك ..
عن الإمام الصادق عليه السلام  قال :  بينما أمير المؤمنين قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال : يا محمد ائتني بإناء  فيه  ماء ، فأتاه به ، فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال : (الحمد  لله الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا) ، ثم استنجى فقال : ( اللهم حصن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمها على النار ) ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و طيبها و ريحانها ، ثم تمضمض فقال : ( اللهم  أنطق لساني بذكرك و اجعلني ممن ترضى عنه ) ، ثم غسل وجهه فقال : (اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه) ، ثم غسل يمينه فقال:  ( اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد بيساري) ،  ثم غسل شماله فقال : ( اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و أعوذ بك من مقطعات النيران )، ثم مسح على رأسه فقال : (اللهم غشني برحمتك و بركاتك و عفوك ) ، ثم مسح على رجليه فقال : ( اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني ) ثم التفت إلى محمد فقال : يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت و قال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره و يهلله و يكتب له ثواب ذلك(1)..
فالمزج في المشاعر المتوجهة للمولى لا يضر،  و القصد لمعنى الكلام الوارد عن أمير المؤمنين و الالتزام بالمأثور عنه يجعل الموالي ضمن شيعته التابعين له ، فهكذا يؤدب علي عليه السلام شيعته ..فالطالب للفنون العبادية لابد أن يسأل و يستفهم  عن المعاني اللفظية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام كي يتوجه بلذيذ المرام إلى الرب العلام ..

الرجاء

نشر على بواسطة .

الرجاء هو السعي نحو نيل الأمور المرغوبة لغة .. و هو محاولة نيل المحبوب من الله خصوصا ، عند أهل الاصطلاح ..وله أنواع عديدة ..منها :
(1 ) الراجي الكاذب: كالذي لديه مقدرة العبادة ، ويتمنى أن يكون عابدا زاهدا..فما الذي يمنعه من أن يكون كذلك ؟؟!
(2 ) الراجي المغرور : كالذي لا يسعى لتطوير نفسه عباديا و يشعر بالرضا العام و القناعة أنه من الزاهدين الذين و فوا بالشكر للمولى جل و علا ..
(3 ) الراجي الصادق : و هو العامل بجد و إخلاص و يقين للمولى جل و علا منتظرا القبول منه بعد أن قام بالمطلوب منه .. فهو الراجي الأمثل ..
و هناك الكثير الكثير من الأنواع و الصور للزاهدين و لا يثمر منهم سوى الصادق في العبادة أمين .. و لكن الصورة الأخطر هم الذين يدعون حسن الظن بالله و هم لا يعملون .. فحسن الظن في حد ذاته منزلة إيمانية عظيمة ، حيث يقول المولى جل وعلا في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي فليظن ما شاء)، و لكن هذا لا يعني أن يكون العبد مستهينا بالله عاصيا له ..فقد ورد من الأخبار المتواترة خبر عن قوم  كانوا في زمن الإمام الصادق  يلمون بالمعاصي ، وإذا خاطبهم الناس بطلب الامتثال قالوا نحن نرجو  ، متجاهلين أنه الآمر بأداء الفرائض ..فكان جواب الإمام : (كذبوا فمن رجي شيئا عمل له و من خاف شيئا   هرب منه)(1) فهذا دليل على أن نيل الثواب الجزيل لا يكون إلا بالعمل الصالح الجميل للجميل ..
فرجاء المغفرة لا يكون إلا بالإلحاح في الاستغفار و المعذرة ، فالباكي ندما مستغفرا من الذنوب والأوزار أولى بحسن الظن من المدعي المهذار ..
و الراجي للخير المحسن بالظن صادقا يجب أن يلتفت إلى نفسه وميزانيتها كي لا يخلق الرجاء عنده التهاون في أداء الواجبات فضلا عن المستحبات ، فما إن يحس المؤمن بالثقل و الكسل فعليه أن يوجد العلاج بالعجل .. أي عليه أن يسارع بقراءة آيات الزجر و الحث حتى  يكون لجذور الكسل و التهاون مجتث ..