فئة الأرشيف: الفجوة الدينية

image_pdfimage_print

تبني المسؤولية الدينية

نشر على بواسطة .

الدعوة للعمل الديني تفعيله شيء جميل لا يرفضه العقلاء ويفرح له المتدينون على جميع الأصعدة، فالدعم الكلي بكل ما أوتينا من قوة عملته عبادة على ما نصت عليه الآيات والروايات، بل ان العمل المناج لو ضم لنيةٍ شرعيةٍ يخول بنفس ذلك الآن عبادة للعبد أجره عليها لا محالة..
فالعمل الإسلامي الذي يشمل كل شيء كالبناء والتجارة والسياسة والهندسة والطب..الخ يتحول لعبادة كالتبليغ بالدين والدعوة للحق فأنهما بكل الحالات يحتاج فيهما للجو المناسب ثقافياً ومادياً ومعنوياً..
وكما ان الأعمال الحياتية يرجع فيها إلى رئاستها للإشراف عليها وتقويمها يحتاج رجوع الأعمال الدينية لتنقيح المرجعية ودعمها الفكري حتى يكون العمل موثقاً من الجهات المختصة به وإلا لكان العمل مرتجلاً وفارغاً من محتواه العام وقد لا يصل للأهداف المنشودة..
أقيمت في عصرنا الحالي المؤسسات والمشاريع الدينية والنشاطات حتى فاقت التصور في الإذاعات والقنوات الفضائية ليتنافس المؤمنون على أبراز معالم الدين بدعم عام من الجهات الدينية المؤمنة الفتية المجاهدة، وقد تطورت سبل الإعلام الديني للوصول إلى ذروة لغة العصر الإعلامية..
ولكن ذلك التكالب والمنافسة أدارت عجلات كثيرة أوضحت قوة إيمان الكثيرين كما أوضحت ضعف البعض الآخر، فمنهم من جعل الأمر مجرد مشروع تجاري ومنهم من استغل الأمر للدعوة إلى نفسه ومنهم من جعل الله نصب عينيه ليعمل بجد واجتهاد واضح الإخلاص..
فالمشاريع الدينية الواضحة المعالم يجب ان تتطور كما تتطور الفنون العامة وبكافة الاختصاصات الفنية، ولكن التقييد الديني الواضح والوازع الاعتقادي المتنور ضروري بدراسة الموقف الإعلامي وصنعه، فالرجوع بالسؤال الشرعي في كل أمر فني جديد هو من صميم ضروريات المذهب لكي لا يتلاعب بدقة الإعلام بحسب الخيال اللامحدود حتى لا ندخل في أطوار خيالية الدين ونسمح للخرافة بالدخول فيه مهما كلف الأمر، لان الدين الذي لا قيد فيه لا يمكنه تحديد الأمور ولا السيطرة عليها، فالقيود الدينية صمام أمان لحفظ المتدين مادياً ومعنوياً وعقائدياً ومنع استغلال عواطفه الدينية وتوجيهها لغير ما يجب أن تتوجه إليه..
فلو أخذنا مثالاً كالشعائر والمناسك العبادية وتعظيمها إعلامياً لوجدنا ان الأمر لا يتم بدون مرأى ومسمع الشريعة وبدون قيودها الشرعية العلمية، فكما قام الشعراء مدرسة الشعر الحسيني وأقام الخطباء مدرسة المنبر الحسيني اللذان يحملان البنية الحسينية الظنية المختصة بهما فكذلك لو جعلت الأناشيد واللطميات والفيديو كليب لها طريقة خاصة تحوي المصيبة أو الفكرة المربية بكيفية حسينية متخصصة تقوم بالغرض نفسه بلا أي إشكالية تتلاعب بمعاني العقيدة والتشريع تحت خيالية الفنانين أو انتاجات المخرجين..
فالمتبني للفكرة الدينية يجب ان يرجع الأساطين ومراجع الدين العظام كي لا يقع في المحذور، فالذين يرجعون للمؤرخين في الأفلام والمسلسلات التاريخية هم الموثوقين في أعمالهم وليس الذين يتبعون الخيال التأريخي، حتى الخيال الطبي مبني على بعض المعلومات من الأطباء كي ينجح العمل، هذا فيما إذا كان خيالاً أو قصة فنية بعيدة عن الواقع، أما الدين والاعتقاد فلا خيال فيه وإنما هو عمل تبليغي وتوعي وواقع في نفوس المؤمنين والمعتقدين به، فلا يمكن التلاعب به ولا يمكن ألا اعتبار الحقيقة الشرعية في منطوق العلماء وحتى استحساناتهم وتقبيحاتهم وانتقادهم لكونهم اقرب إلى الذوق الشرعي المعتمد على مباني الشريعة..
يفضل ان يتمسك بأعمال المجتمع من عرف بالصلاح والورع لكي تمنع المفسدة من الوصول للمجتمعات وتبعد المتلاعبين، ولكن يتأكد الأمر في الأعمال الدينية ويتضح لزومه كما يتأكد تدخل ذوي العلم فيه لكي لا نصل بالحال إلى سيطرة إعلامية دينية غير متدنية تدخل المجتمع في أوهام لا طائل لها..
فعلى المجتمع المتطور أن يشعر بمسؤوليته اتجاه توفير المنبر الإعلامي الصحيح إتباعه وملاحقة وردع ما هو خارج عن رقابة رجال الدين لكي يحسن الدفاع عن مبدأه وعقيدته ولا يدخل في المواقف المحرجة التي تحسب على الدين رغم أنها ليست منه..
وعليه ان يختار الأصلح في إدارة المشاريع الدينية الخيرية وغيرها كي يعصم من أخطاء مادية ومعنوية قد تجر الأخطار المحتمة عليه.. والرجوع بمواصفاتهم حسب ما يمليه عليهم المرجع الديني من صفات من يتبنى المشروع الشرعي.. بدلاً من كون الأمر أشبه بالتطوع الغير منتظم الذي يحول العمل لحالة فوضوية وفقاً لهوى المتطوع..
ان الشهرة الإعلامية ليست بأمر صعب على أيًّ كان وتحقق اليوم بالانترنيت والمواقع الشخصية كما ان القنوات الفضائية تبرز من تريد أبرازه، والإعلام اليوم قائم ومرتكز على إمكانيات المادة ومدى توافرها لدى الشخص المريد للشهرة.. فلذلك نقول بأن الاختيار للمتطوعين بحسب شهرته بالعمل والصلاح فيه بلا انفكاك بينهما لتحصيل النتائج الأفضل..
فالتخطيط الإداري العالمي معروف بكثرة الانفكاك بين المواصفات وكثرة العاملين والدوائر التي تستنزف الطاقات البشرية لمجرد فعل واحد مع استقلالية في المسؤوليات مما يضيع الفرصة في استحكام الجزئيات وضياع الماهيات الغير ملتفت إليها ولا تلحظ إلا بالعمل، كما وأن ذلك التركيب المعقد من الدوائر البشرية قد يكون دقيقاً لدرجة فوق الحاجة التي من اجلها وجدت تلك الدوائر، وأخيراً من المعروف عند العقلاء لو ركزوا على تلك الدوائر لوجدوا بأن رأس هرم كل تلك الدوائر ما هو ألا إداري يصله التشخيص الجاهز والتنقيح والتخطيط حتى يمضه ويمنعه بحسب خبرته وهذا قد يتنافى مع بعض الأدوار المهمة كالأدوار الدينية والعقائدية التي تضع المكلف بمرتبة المدير الذي يستخلص تكليفه من الخبراء..
إن هذا القول لا يقدح بالمعنى الكلي للنظام الإداري العالمي ولكنه يبين عدم أطراده في كافة مجالات الحياة العامة، والتطبيق واضح، فالتخطيط الإداري قد يمنع معالجة المريض المجهول، كما انه قد يمنع حياة إنسان رغم ان التخطيط الإداري الطبي ما وضع إلا لخدمة الإنسان، وعندنا في العراق قد يتساهل الممرضون بعلاجه بإسم (مجهول) نظراً لأهمية حياته عن ذلك الروتين الإداري، فقد ينتقد احدهم هذه الحالة ويقول هكذا تتسرب الأدوية لخارج المستشفى تحت هذا المدعى!! وكأن الذي وضع الكم البشري الهائل في تخطيط المستشفى الإداري لم يكن ليضع مراقباً موثوقاً لمثل هذه الحالات بدلاً من منع المريض من العلاج لكونه مجهولاً عنده أو عند الممرضين حتى يأتي بأوراقه الرسمية..
إن التكثر في الإعداد البشرية أمام المسؤوليات قد يعطي تفرغاً للمسئول من تعدديته وسرعة انجاز العمل ولكنه في نفس الوقت قد يعطي مجالاً للإتكالية والتسيب، كما وانه قد يعطي فرصة للتهرب تحت عنوان خروج الاختصاص عن مسؤوليته..
فلو قام أهل الاختصاص الطبي بتخطيط إداريات الطب وأهل الاختصاص ليخططوا لاختصاصهم لأنجزوا المهمة الموكلة إليهم على أفضل وجه، كما وأنهم أدرى بطبيعة البلد الذين يكونون فيه إدارياتهم، فلو كان المجتمع بدوياً ولا يطلب من المريض أية وثيقة ولو كان حضرياً فيطلب منه بحسب حضارته..
فالعمل الديني بشكل أو بآخر له تخطيطه الإداري التلقائي الذي يشكل بكيفيات المجتمع وحالاته الاجتماعية، لأنه بالإمكان فعله حتى في منزلك أو بين عائلتك أو مع نفسك في الخلوات..
وقد لاحظنا مؤخراً كثيراً من الأعمال الدينية متأثراً بالتخطيط الإداري العالمي الذي قد يذهب بروحيات الدين والعقيدة، كنشر أسماء العوائل المتعففة التي يساعدها الصندوق الخيري وأسماء المتبرعين الذي قد يسبب الرياء في المرات المقبلة.. وهكذا فقد يتبرع شخصٌ منبوذ في المجتمع لسلبيته أو سارق من اجل تحقيق الاسم والشهرة عبر الطريق الديني والإسلامي..
ونحن نكون دعاية وأعلاماً له وما وضعت الصدقات لهذا الغرض ولا الفرائض الدينية..

المصطلحات الصادرة من المرجع الديني

نشر على بواسطة .

تصدر عن علمائنا الإعلام ومراجعنا العظام بعض المصطلحات العلمية التي قد يتفهمها الناس الاعتياديين بسهولة ولكنهم قد تغيب عنهم ملابسات التطبيق، ومسقطات الأحكام، وظروف الأحكام المتغيرة على وفق الظرف الزماني أو المكاني، وقد تغيب عنه سياقات الأحكام نظراً لعدم إلمامه ولو بجزئيات المسائل الكاملة أو بطريقيات الاستنباط بشكل عام..

فالشائع اليوم عند المراهقين لفظة الأعلم ويسعون لإحرازه فيقوم الأمر على نحو فوضوي كتحزير الألغاز عندهم، ويتبع الآخرون الطريقة المثلى وهو الرجوع لأهل الخبرة في هذا المجال.. فالمراهق بطبعه متأثر بفرق الرياضة ومنافسات المسابقات فتراه يتعنت ويحاول أثبات أفضيلة من يقلد والمميزات الخاصة به وكأنه قد افتنى سلعة والمستجار بالله، وكأن الآخرين ليس لهم ماله وليسوا من علماء الأمة.. ان المشكلة هي سوء الفهم لمعاني التقليد النبيلة وعدم وجود المستوعب الذي يقيم الدورات ويشرح معانيه وقضية الأعلم واشتراطه عند البعض دون البعض الآخر..

استحالة بيان الأعلم واقعياً والاختلاف العلمي في هوهويته جعل للفقهاء والمجتهدين رأيين بمعناه المتسامح فيه، فالأول اسقط ذلك الوجوب ورأى بديهية الادلة الخاصة بهذه المسألة والبعض الآخر رأى الرجوع لأهل الخبرة وتحصيل الاطمئنان بكلام المختصين الذين يطمئن إليهم..

وإعلام المكلف بأن المراجع العظام لا يفتون إلا بالدليل ويميلون حيثما يميل فيبذلون قصارى جهودهم لتحصيل الأحكام الشرعية القريبة والمطابقة لواقع الحكم، فلا يفتي بما يشتهي احد عندنا، ولا يتصرف المجتهد والمرجع الديني إلا بما يعطيه كامل التصرف الشرعي من الأدلة.. فلا يستهينن أحد بالأحكام فانها ليست وضعية ليقوم رجال القانون أو السياسة بتعديلها أو التلاعب بها.. لأنهم ببساطة شديدة ليسوا من أهل الاختصاص وليست لديهم القدرة الكافية للوصول لمجهولات الحكم الشرعي المعلومة بالأدلة الحقة النقية..

كما نلاحظ في كافة العلوم التجدد والتغيير بحسب التجربيات الملموسة،فإن الفتوى قد تتغير عند العلماء الإعلام بحسب حصولهم على الأدلة المغيبة عنهم والتفاتهم لحقائق الأحكام وقد يشكل على قولي هنا بأنني قلت في تمايز العلوم بأن الشريعة لا تتغير والعلوم متغيرة بتساقط النظريات، فكيف نقول هنا بتغير الفتاوى وتراجع العلماء فيها بالاستنباط المتجدد، أقول: ان الشريعة لم تتغير ولربما قد يتأخر الوصول للأحكام الشرعية فيعذر المولى عبده المتخصص طالما انه مستمر في أخلاصه ويوفر الأحكام الشرعية للعباد بجهده وجهاده.. بل ان هذا المجتهد متجدد في فكره ويغلظ في مراقبة التغيرات الحكمية ان تعلقت بتغير ما، فذلك مدعاة للثقة والورع والزهد..

الشريعة المتبعة تحمل أصولاً للعلماء من أئمتهم وهم يفرعون عليها، وقد قال احدهما ع علينا الأصول وعليكم الفروع..

ولو تأملنا المصطلحات الفقهية والأصولية في كتب العلماء لوجدنا فيها ما يفوق تصور الغير متخصص مما حدا بالبعض المطالبة بكتب أسهل للعمل بها، أقول: إن المكلف مطالب بالعلم الديني فيجب عليه تفهم الرسالة العملية لمن يقلد، وكذلك تعلم عقائده وتفهمها ليصح اعتقاده بها ويقوى يقينه، وليعلم المكلفون بأن تلك الرسائل العملية قد وضعها العلماء العظام بتلك اللغة لكي يعلم المتخصص مباني المرجعية وصاحب الرسالة باللغة الدقيقة حتى يتسنى له التطبيق بين العوام ونشر الأفكار بشكل خاص وعام، فلو كتبت الرسائل العملية على طريقة الجرائد والمجلات لما خلت من أخطاء علمية جسيمة وضياع المفردات الدقيقة لان اللفظ عاجز عن تحصيل المعنى المركوز في النفس، فوضع تلك المصطلحات لو دققنا ضروري لا محالة وبديهي بطبع العلوم المختلفة.. ألا ترى لان علم الطب العالمي لغته اللاتينية لمقاربتها لمعانيه مع قليل من اللغات الأخرى؟!! فاقتضاء اللغة العلمية للمصطلحات بيِّن للمتأصلين..

كما رأينا الكثير ممن يأخذون بظاهر آيات القرآن وكأنه ليس له تأويل ولا باطن دون الرجوع للمفسرين لاستبيان المدعى عندهم ومدى صحته، كما وأنهم قد يتجاوزون الأمر للفتوى الشخصية بل ويشخصون المواضيع الفقهية عبر القرآن ومعانيه الظاهرية وليتحمل من يفتي بغير علم مسؤوليته أمام الله..

وقد ظهرت في الآونة الاخيرة تشخيص مواضع العيد والهلال دون الرجوع لأهل الخبرة في المدعى مما ترك فساداً في مباني الدين، وانتقد السياسيون اختلاف العلماء في التشخيص وتدخلوا فيما هو ليس من اختصاصهم حتى طالبوا المتشرعة بالاتحاد في إعلان العيد، وكأن العيد إذا تكرر ستتفرق الأمة، فالأمة المتحدة لا تتحد بالمناسبات أكثر من اتحادها بالأصول والمضامين والمشرب، فالمرجعيات التي تبث عندها العيد تتحمل مسؤولية فتواها، والتي لم تثبت عندها لا تستطيع البت والتشريع وتجاوز الأصول الشرعية لهدف سياسي لا يهمه إلا الشكليات الخارجية أو تلك المناسبة لا تحقق له أي هدفٍ يمكن ان يدر الخير على الأمة أو ان يهزم عدواً للمسلمين، إنما العيد مناسبة دينية صرفة تتحقق فيه أهداف دينية مجردة عن الماديات ورافعة للمعنويات بعيداً عن مهاترات السياسيين الذين تدخلوا في أمورنا الاختصاصية الدينية، من لا يحب تكرار العيد على الأمة؟! اللهم اجعل أيامنا كلها أعياداً!!

فمصطلح العيد لا يقبل التكرار في السنة إلا بحسب ما شمله ولكن القادة الدينين والحكام الشرعيين لا يمكن تجاوزهم لعلمهم الاكفا بيننا لتحديد ذلك، ولكن الله سبحانه وتعالى يعذر العباد على ما لم يعلموه، فما هو أكثر من إدراك المرجع، أظنه لو استخدم أساليبه الصحيحة وأدلته النقية سيسامحه الله على ما أفتى نظراً لعلمه ورواية الرفع :رفع عن امتي ما لا يعلمون.. وذلك مختص بالمراجع العظام لان من البديهي المسلم عدم معرفة الغير متحفظين بأمور استنباط المسائل الشرعية.. فان غابت المعلومة عن العالم فقد غابت عن الأمة، ولكن العادي والغير متخصص ليس بالضروري ان يلم بالمعلومة المقصودة وهي محصلة طرق الاستنباط الشرعي..وإن أراد فعليه أن يدرس الأمور الشرعية !

ومن الخطأ الاجتماعي اعتبار العالم بالمعنى الحقيقي، أي انه يدري بكل شيء، لان العالم بهذا المعنى هو المولى جل وعلا ولا ينازعه في علمه أحد، فالعالم عندنا يخطئ ويصيب ولكنه خطأه مغفور لكونه هو المتوفر الذي يسد مسد الإمام المعصوم عليه السلام ، والعالم المرجع هو من ترجع الأمة إليه في أمورها، وما رجعت له امة واعية وعاقلة إلا لكونه اعلم الموجودين وجامعاً لشرائط الحاكم الشرعي، فلا داعي لأن يتدخل غير المتخصص في فتاواه لكونها فتوى الأعلم منه والأجدر بها..

إن تدخل العادي والغير متخصص في الفتاوى هو تصدي لعلم المرجعيات وإفتاء بغير علم، ولو أوكلت إليه المسؤولية الشرعية لتركها وهرب، فلا داعي لان يدعي الإنسان ما ليس له كما انه لا داعي لادعاء أهلية ما ليس هو أهلا له..

قد نرى كثيراً من المثقفين يناقشون العالم بمصطلحات علمية يحفظونها فيستفيدون ولكن الغريب مجادلتهم بتلك الألفاظ وكأنهم مذ عرفوها عرفوا الدين! وحين النقاش والتوضيح يصطدم العالم بكونهم لا يحفظون غيرها! وقد اخذوا بالمعنى الظاهري كالذين يناقشون في القرآن الكريم دون إدراك بواطنه؟! فعلى المثقفين الإجلاء ان يسألوا ويدققوا في حدود المصطلح نفسه وفهمه بعمق ومعرفة مدى أطراده في الاستعمالات العامة والخاصة، ليحتفظ بعمقهم الثقافي..

إدعاء التشرع

نشر على بواسطة .

كثرت في الآونة الأخير حالات المدعين للتشرع والمعرفة بأحكام الشريعة حتى اشتبه الأمر بين العالم الحقيقي والمجتهد الجامع للشرائط والمدعي لذلك، ونظراً لعدم كون العامة من الناس وسوادهم من المختصين فقد ضاعت سبلهم لمعرفة الحقيقة رغم ان الأمر هو من ابسط الأمور التي يمكن لهم من خلالها استبيان الأمر واستيضاحه..
ذهب المثقفون إلى تقييم العالم المدعي بالمقاييس الوجدانية والشخصية لتحصيل الحقيقة ولكنها غير مطردة ولا يمكن أن نعتبر بها لعدة أمور، من أهمها ان أي شخص من الأشخاص لا يستطيع الإحاطة والتقييم لأي كان إلا في مجال الاختصاص فيجب حينها ان يكون المقوم أعلى درجة أو مساوياً للمقوم – بفتح الواو – وهذا ممكن في الاختصاصات الآخر فيما لو كان الظرفان بمرحلة وسطية واحدهما، فيقوم العالي الداني، أما لو نظرنا إلى القمة في العلمية أو الاعلمية، فان الأمر يستدعي الدور والتسلسل وكلاهما باطل في كافة الأصعدة والاختصاصات..
وفي هذه الحالة يلجأ المتخصصون بنفس المجال لأهل خبرتهم والمستويات العالية لترشيح الأعلم بحسب علمه في نفس الاختصاص وتزكيته عمن سواه بحسب فطرتهم لمنطقه ودروسه ومعالم علمه، وما ذلك ألا لتنظيم الحياة بوجود القدوة والمثل الأعلى الذي يرجعون إليه في أمورهم العامة..
ما كان من المتشرعة إلا هذا الدور، فأهل الخبرة من أهل الاختصاص الذين يحضرون بتلك الدروس في بحوثهم يعرفون العلماء واستعداداتهم الفكرية التي يمكن لهم ان يعرفوا الأعلم من خلالها وهذا ما جرت العادة عليه في الحياة العامة وكافة الاختصاصات حتى أثبتت جدواها بشكل عام وخاص..
وعلى تلك القمة تصارعت مجموعات مندسة طموحها القيادة لأغراض شخصية ونفسية تتضح في التصرفات العامة..
لذلك كان الأولى الرجوع لأهل الخبرة من نفس ذلك الاختصاص ومن عرف بالتورع الواضح منهم، والموثوقين بين العلماء والعباد مع الأخذ بعين الاعتبار الرواية (ألا ان من كان من العلماء مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام ان يقلدوه)..
وقد اشتبه الكثير باعتبار الخدش ببعض ممن يدعون الإفتاء والتشريع حتى ضاعت سبل هدايتهم وكل ذلك من تقصيرهم في تحصيل التوثيق والغريب أن هؤلاء كمن قال عنهم أمير المؤمنين (ع):
فطن كل رزية في ماله
وإذا أصيب بدينه لم يشعر
لأن البعض يمحص عن الغذاء الجيد والطبيب الأفضل والرزق الأوسع ويجتهدون في محاولة إيجاده، إلا الدين فأنهم قد اتبعوا أول من رأوا، ممن يتشرق بين العوام بأفضليته على المرجعيات الدينية العليا التي يتبعها المتخصصون قبل عوام الناس.. فلو أنهم كانوا أهلاً لما يدعون لانبثقوا الادعاءات في الحوزات العلمية حيث يتميز فيها العالم بقدرته وإمكانياته الفذة وتتبين أعلميته بعيداً عن ادعاء المناظرات وألفاظ النزال التي لا تليق إلا بأهل الدنيا..
فهل ان المرجعية المستخلصة من أفذاذ الحوزة كانت خطأ كل علماء الحوزة وهو المصيب بعيداً عنها، لما لا يأتي ويطرح العلمية بمحاضراته وكتبه وبحوثه حتى تتمخض أعلميته بين أهل الاختصاص؟!
أظن ان ترقية الشرطي والطبيب والموظف ليست حقيقة ان لم تصدر من الجهات المختصة به ولا يشعر بطعمها لو صدرت بين الناس لعدم مصادقة الجهات المعنية لها وفقدانها للقيمة الحقيقية وروح الواقع..
ان ادعاءهم للاختفاء بوهم العدائية من قبل بعض الأشخاص هو بعينه طعن في أخلاقيات المجتمع والمتشرعة، فما هي دوافع العداء؟! وكيف يتصور ذلك؟! ألا ان كانت أعذارهم  نسائية المنطق كادعاء الغيرة والحسد والبغض، وذلك كله مرفوض عند العقلائيين، وليحضر لساحات العلم سيكون كل شيء بيناً، بعيداً عن مهاترات الهروب ولهجة الحروب، فالحوزات التي أنتجت العلماء لا تحارب أبناءها ولكنها ترفض الخلل لمجرد التشهي للسلطة وتمنع المتلاعب في سلطنة الدين لأنها أمانة في أعناق المرجعيات وأعلى أرواح المؤمنين أنفسهم [فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم] وهو دور من أدوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم..

التصرفات الشخصية

نشر على بواسطة .

فكما مر آنفاً ان هناك وجود بين من العاطفيين في علومهم وهناك توصليين كذلك، والأنواع الأخرى من المفكرين بمشاربهم العلمية المشتركة والمختلفة يرون الدين بنظرتهم الخاصة والمتأثرة بصنائعهم، كالرياضيين والفلاسفة وأهل الصناعات كل حسب مشربه وما تأثر به من الأخلاقيات..

فالرياضياتي مثلاً قد يرفض مرونة الدين نظراً لنظراته الدقيقة والجدية المستمدة من المعادلات التي تعتمد على المنطق الرياضياتي، فلا يمكنه فكرياً استيعاب [لا يكلف الله نفساً ألا وسعها] والكيميائي يؤمن بقدرات التجربة وتأثيرها العام في صنع قراراته الحياتية والدينية، ولا استغرب ان اخذ الدليل الشرعي ولو تعسفاً دون النظر إلى مدى وثاقته أو حجيته ليجعله حجة بكل ما أوتي من قوة فكرته، بحيث يتشبث بمشاهداته الخاصة واقتناعاته، كما يصنع في مجال تخصصه حيث انه يعتمد على المحسوسات والمشاهدات الخاصة به..

كما عودنا الفيزيائيون على السؤال على المقدار بالمليمتر كسؤاله عن الكر مثلاً حينما يجاب بأن الكر مكيال وليس بوزن يتعجب ويدعي عدم الدقة في القياس وقد يختل النظام في نظره إذا لم تحدد الدقة المنشودة أما بالمليلترات أو المليغرامات حتى تصدى رجال الدين بوضع مكيال بقدر الكر وقاسوه ليرووا ظمأ الناس العلمي، رغم أن الناس قد تشتري الخضار والألياف الخضرية بالمكيال، ولهم به تسميات كالباقة والحقة وغيرها..

إن التركيز الديني والتشريعي في المعاملات يخص المتداول بين الناس وإن تغير التداول والمقياس فانه الحكم لا يتغير فيما يخص الحقوق المستقرة في الذمة وليس هناك أية صعوبة في تحويل المقاييس إن استدعى الأمر..

ولكن القول فيما يخص ما لا يستقر في الذمة شرعاً واختلاف المصطلحات بين الشريعة والمتداول بين البشر فإنه ينظر بعين الاعتبار إما شرعاً أو اجتماعياً، كالانتفاع المحرم الذي يستحق الأجر لتحليله ولكن الانتفاع المحرم بالفعل المحرم لا يمكن المعارضة عليه كما لا يمكن للمسلم المعارضة على الخمور لأنه لا يملك ما حرمه الله عليه، والانتفاع لا يستقر في الذمة ويستقر ثمنه في الشريعة، بينما المجتمع قد يتعامل منفعه بمنفعه ويعارض على تمر بتمر أجود مع حصول الزيادة لصاحب الأجود ولكن ذلك عند الشريعة ربا وهكذا.. فالاختلاف حاصل نظراً لكون الناظر لا يفهم الفوضوية التي يمكن ان يكون المجتمع عليها إذا ما استمر بمثل هذه المعاملات، أما إذا حصل البيع والشراء، وكل عقد مستقل بحد ذاته، فذلك أحفظ للحقوق في حال التنازع والتصرف في الأموال بعد سلطنته الملكية والمعاوضات..

وقد وجدنا ان المجتمعات المادية لا تؤمن بالإباحة وان آمنت فهي في نظرهم على نحو الاستغلال، اذكر مرة ان صديقاً لي سحب سيارتي بسيارته إلى مصلح السيارات لتصليح عطلها، فصاح المصلح: هذا حرام، لقد جعلته يخسر وقوداً ولم تعطه عوض ذلك!! فتفكيره منصب على ماديات المعاملات والمعاوضات المتبادلة بين الأفراد..

فالتحريم والتحليل لا يمكن إدراكهما إلا بالدليل، وهو يفتي وغيره يفتي بمنطوق قانوني كالمحامين وغيرهم ممن له صلة بصنع وتطبيق الدساتير القانونية بعد الاقتناع بما يتضمنه، والمشكلة أن علمه مقتصر على ما درسه ولا يمكنه الاعتراض دساتير صنعها البشر وبأن خلل فيها في خصم الحياة وتهاون باللابدية المتهورة مقتنعاً بأن لكل قاعدة شواذ والشواذ لا بد ان يدفعوا الثمن لراحة الأمة، بينما انه لو رأى الشريعة السمحاء لوجد للشواذ أحكاماً خاصة وعناية رفيعة المستوى..

ان الأشخاص العاطفيين الذين ذكرتهم في الباب السابق ليس لهم محل في نقاشنا نظراً لكون بابهم قد بين علل التفكير عندهم..

إن مباني الدين كلها أخروية والعمل في الدنيا بمنطوقه لتحقيق النجاة في الآخرة ولا يمكن التضحية بالدين في سبيل تحقيق ازدهار دنيوي.. ولكن السياسيين قد يبحثون عن مخرج شرعي باسم الازدهار والاقتصاديون وغيرهم لمواكبة العصر حسب التعبير الإعلامي ولو إن الأمر هو استحسان فهل الغير ومواكبته..

إن كل ما نراه في حياتنا المعاصرة من تطور يحتاج لعرضه على الدين إن شك في أمره، وخصوصاً ما يمس الدين الإسلامي من تغيير في كيفيات الشعائر والمناسك أو آلات العبادة..الخ، فهي كلها تحتاج لدعم المرجعية ولا يجب وقوعه ألا تحت أجازتها لكونها دخيلة ولو جزئياً في أمورنا الدينية..

نرى الذين ليسوا من المتخصصين يفلسفون الدين بمزاج وجداني، كمن يقول بأن حركات الصلاة كانت عبارة عن تمارين سويدية فلا داعي للرياضيين أن يقوموا بحركات الصلاة، ونرى آخرين يحرمون الزواج من زوجة ثانية إن لم تقصر الزوجة الأولى وغيرهم.. حتى يتجلى دين غريب عن الإسلام للعمل الشخصي فالعاقل لا يعمل بالقضايا الشخصية ولا يقنن قانوناً منها، فكيف بالدين الذي وضع للناس كافة؟!

وهناك من المتشرعة من لم يصل المرحلة الاستقلال بالاستنباط أو زعم ذلك الاستقلال وهو ليس مؤهل له، حيث يقوم بالخلط بين القواعد الرئيسية ويتجاوز حدودها ليصنع ديناً منفرداً عن الجميع بكثرة الشواذ في مسائله وتفرده بالأقوال والأفعال، كمن يفتي لمكسور القدم بالصلاة جالساً بشرط مضاعفة الركعات لتتساوى كل ركعتين بركعة، ويمكن أن يرى بأن المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها ان تذكر عاطفيات الزوج باعتبار انتهاء الزوجية بالوفاة، وغيرها من الأمور الغريبة التي تتجاوز حتى الإنسانية لا الدين فحسب..

فعلى المكلف أن يدقق في فحوى الفتاوى بحسب ما يستلزم الأمر، وستبين الغي من مرامي الفتاوى للمثقف المؤمن، وسينجلي الغمام بكلام المرجع الإمام، لذلك نلفت الأنظار دائماً للمرجعيات والالتفاف حولها بعيداً عن خزعبلات المغرضين..

اذكر مرة أن الأحزاب الدينية في الانتخابات في بلد مؤمن أشاعت بحرمة الزوجة وبينونتها إن لم ينتخبهم الناخب، وهذا الأمر قد سبب ذعراً في الأوساط الجاهلة دينياً، حتى تجلى أمر المرجعية الواضح فكشف الغمام عن عيون الأنام..

الإنسياق المغرض

نشر على بواسطة .

وفي كثير من الأحوال نرى الفتاوى صادرة من المرجعية بكيفيات واضحة وبينة دامغة، ألا ان هناك البعض ممن يدعي عدم الوضوح والآخر يدعي زيادة جزئيات تستوحى من بين السطور، فيحصل الصدام والفتاوى مكتوبة ومختومة من الإمام..

فالمؤوّلون الذين يحرفون الكلم عن مواضعه لا بد لهم من دافع لفعل ذلك، ولا بد للناس ان تتأكد من القصور إذا ضاع الوضوح فعلاً أو قوة، لتحقيق العلم المتيقن والانصياع المتقن، بعيداً عن تحقيق أهداف الغير المشبوهة.. فلو لم تكن كذلك قلم الالتفاف على الفتوى..

روايات “بصل عكة” وغيرها لو فعلت لقرأنا كتاب مسيلمة الكذاب وبحثنا فيما دللت، فالوسيط لا يتناول أكثر من غير المباشر مرة واحدة وكلما بعدت شقة عدم المباشر بعدنا عن المعنى حتى ندخل في أجواء معانٍ ليست حقيقة ولا مرادة من الشارع الأقدس وكل هذا الاشتباه سببه الانتقال والتنقل بين الوجوه وجزئيات المعاني..

فقبل قراءة أي فتوى على الإنسان أن يجرد نفسه من الشائعات، ويركز في المعاني الحرفية حتى لا ينساق معها ومع الشائعة فيخرج بمعنى داعم للشائعات أو مغاير للمعنيين، فيكون بذلك قد خرج عن المعنى الأول وهو الفتوى الصادرة من المرجعية..

وقد يستعمل المغرضون أساليب الإيحاء الذاتي لتحويل المعاني بين الناس لدرجة ان المثقف لو قرأ الفتوى لا يرى غير معناهم المدعى ولا يسمع غير أقوالهم المزبورة بحسب منظورهم الذي صنعوه بالجزئيات، فعلى سبيل المثال لا الحصر: ان اللحى علامة إيمانية معروفة، ولكن اليهود لهم لحى، وهناك من يطلقها أكثر من اللازم لكي يجعل منها موضة ما، فالناقد لليهود حينما يصيح بأصحاب اللحى والناقد للموضة حينما يستهزئ، بها يغدو الأمر عند العوام بتأثير الإعلام مستهجناً حتى تفقد العلامة الإيمانية قداستها وكنها هي التي هودت أو صنعت الموضة.. وبعد مدة قليلة يتجاوز العادون على المؤمنين بلفظ أصحاب اللحى الذي استهجنه الإعلام.. والأمر كله مغالطة في مغالطة، وأشبه بقياس الفئران لها آذان، والجدران لها آذان، إذا فالجدران فئران أو العكس..

وهذا الانسياق المغرض الذي دفع العدو لان يستغله بعد ان كان حكراً على التجار كقضية “بصل عكة”، فتراهم يغلبون الدين على نحو المغالطة السياسية والاقتصادية، كجعل لفظة الاحتكار على الكماليات إذا ما حصرها التاجر وأخفاها عن السوق، رغم ان الاحتكار بالمعنى الشرعي يشمل الأفراد الضرورية من المواد الغذائية التي تتقوم بها الحياة، كالتمر والزبيب..الخ..

فقد تشوش تلك المعاني عقول المبتدئين من المتشرعة، أو يستخدمها المضللون لتحقيق أهدافهم في إسقاط ماركة أو علامة تجارية مسجلة باسم الاحتكار، أو أنها تستعين بلفظ الجلالة.. فالاستهانة بلفظ الجلالة جريمة وشيمة يحاسب عليها فاعلها ولكن بعد التحقيق لان المتهم بريء حتى تثبت إدانته..

ان استغلال الثورات الدينية والمسيرات والغضب الاممي الديني قد يضعف منه ويستخفه لدرجة غير متوقعة حتى يأتي وقتها فنراه قد تلاشى، لذلك الحذر الحذر من التلاعب به، فلا ننشق من أوامر المرجعية اليقظة كي لا نقع في الهوان، كما تسارع المتشرعة مرة في أفلام الكارتون (البوكيمون) لتحويلها سبب ضد المولى ومعاني كفرية، فحينما تحقق المراجع الإعلام وجدوا ان الواقع غير المدعى.. فلم يتسرعوا بالإفتاء كما فعل المتشرعة المبتدئين غير المؤهلين للفتوى..

فالتدرع بالثقافة الدينية خير دليل لتحقيق الأمان الفعلي من التلاعب بوجوه وجزئيات الثوابت، والرجوع للمرجعيات الجامعة للشرائط خير مخرج من دهاليز الجدل وأهازيج الهزل..

وهناك من يدعي اجمال الفتوى وعدم الوضوح وكأنه يريد من المرجعية ان تكتب ما يمليه بلسانه، فيؤول بعدم العلم لما يصبوا إليه، وعدم معرفته أو إلمامه بما هو مطلوب منه، فالأمر متروك لله سبحانه فالإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة..

وقد يعرض المجتهد والمرجع الديني لخدمة أناس قد غضب المجتمع عليهم بعد توبتهم أو يأمل هدايتهم للصواب، فتقوم ثغرات الثأر وسياسة المستشفي بالاعتراض على السبيل الشرعي والتدخل في شؤونه الخاصة، فيحدث الطعن في المرجعيات من قبل من يدعون التشرع، وكأنهم يفتون قبال فتوى المجتهد، ومن فتى بغير علم أكبه الله على منخريه في نار جهنم..

التبليغ

نشر على بواسطة .

الدعوة إلى الحق والصراط المستقيم تحتاج إلى أساليبها الجيدة التي تبرز المعالم الحقة لما يصبو لحقيقة الداعي، وقد وردت في الشريعة السمحاء أساليب وسبل مختلفة لتحقيق البلاغ الديني، كقوله تعالى [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ] الآية وغيرها من مفاهيم مدارس التبليغ الإسلامي المعروف.. وأظن بأن في فصل الإعلام الديني قد أوضحت ادوار الخطباء وهم اعلم مني بدورهم لكونهم أهل الاختصاص ولكن سبيل البحث تطلّب البيان – والصحافة الدينية.. وهنا نتكلم عما يبلغ عنه المبلغ ومتطلبات الأمر التبليغي لكي لا يخلق المبلغ قاعدة أذهان الناس تكون مخطئة في اطرادها وغير عملية في تعميمها..

على سبيل المثال كان هناك احد الخطباء يقول للناس بأن الإفطار في السفر هدية من الله ولا نستطيع رد الهدية!! فسافر المستمع وأفطر مع قطع المسافة، وانتقد كل من لم يفطر أو كان ناوياً تجديد النية إذا رجع قبل الزوال قائلاً كيف تردون هدية الله؟! ولماذا تختالون على الدين؟! فالعمومية والخصوصية يجب توضيحها المنع الاطراد فيما لا يطرد.. فالخطيب الناجح والمبلغ المثالي يجب عليه ان يكون ملماً بفنون الخطابة علمياً ومنطقياً ليحقق لنفسه الهدف المناسب والسيطرة الخاصة بطرحه العلمي حيث يدرك المستمع له حقيقة المراد بعيداً عن هواجيس الاطراد والتنظير الغير مجدي.. فمثلاً لو أدرك المبلغ حدود الحدود منطقياً لكان لكل حد عنده محاضرة واضحة المعالم يمكن من خلالها بناء المبنى العلمي الصحيح في المحاضرات الآخر، ولكن عليه الابتعاد عن التشعب والتعقيد في محاضرة لن يلقي غيرها، ويتضح بحكم الغربة ان المنهجية ضرورية في تفعيل المحاضرات ومراعاة اكتمال الفكرة لازم له، وملازم لتأثيرها..

ففي محاضرات التفسير يجب عليه ان يشير لأقوال علماء هذا الفن حتى يدرك السامع كبقية ومنهجية البحث المطروح، ويشير قبال نفس الأمر لما يحتاجه الباحث من العلوم غير التفسير لتحقيق المعنى المأول ان وجد وذلك لضمان الثقة العلمية فيما يطرحه وحفظ حقوق صاحب الفكرة وتامين عدم التلاعب لدى المستمعين أو التوهم وعم ترك ثغرة تمكن لذلك الأمر أو تتيح معناه بشكل عام.. والإلمام بفنون اللغة ومعارفها البلاغية ضرورية كتقييد المجاز وقرينة أرادة المعنى للمشترك اللفظي وبيان الحقيقة في توضيح الأمور المتعددة المعنى كالاستعارات والكنايات وغيرهما، والمدار قائم بحسب المعنى ودفع الاغيار عنه لكي لا يتطرق الوهم للتفكير بشكل أو بآخر..

وكذلك بيان الأحكام الشرعية ان تعلقت بعرفٍ ما دون آخر وتغييرها بتغيره ان وجدتا لكي لا يظن المكلف بأن عرفه هو الدين وان الأعراف الباقية ساقطة، كلباس الشهرة والبسة الحداد وغيرها.. فالابتعاد عن الفنون اللفظية والبلاغية في بيان فقهي خير ما يحتاط به المبلغ في حالة طرح المسائل الفقهية والعقائدية.. فعلى عموم الأحوال ان المبلغ أدرى بكيفياته كصاحب اختصاص وهو ابرع واقدر في اختيار الآليات العملية للتحصيل الأنفع.. ولكن المشاكل القائمة في مجتمعاتنا اليوم واضحة المحل من حيث استدلال العوام بكلام الخطباء والمبلغين، ولذلك تدخل المتخصصون بمنع طرح الفتاوى الشاذة على الملأ كي لا تتعارض معلوماتهم الخاصة المسلّمة والمستحصلة مع من يقلدونه فتحصل الحيرة ويستفحل التشويش.. والخلل الموجود حالياً من جراء ذلك يقع على عاتق الطرفين بحيثيات كثيرة فالمخاطب – يخفض الطاء – قد يُلام على تقصيره ان وجد، والمخاطب – بفتح الطاء – كذلك إذا أول وغلل على ما يبغي ويهوى من المعاني، كالذين يحرفون الكلم من مواضعه..

الدين والتطبيقات الفعلية

نشر على بواسطة .

رغم اختلاف المذاهب الإسلامية في الجزئيات وتمايزها في طريقيات الاستنباط والتفكير، ألا أنها تتحد في المواقف المصيرية مراعية جميع الأواصر الرابطة للأمة والموحدة التي تبعد الشتات عن الأمة الإسلامية، فالاختلاف في بعض وجهات النظر مع التوحد في المواقف العامة والمصيرية هو ما عبر عنه الرسول الأعظم (ص) بأنه رحمة للأمة واستمرار بقائها..

ولكن هناك من ينظر بعين واحدة للأمور أو يغض الطرف عن نفسه ويدعي انه من المتشرعة الذين أدركوا حقيقة تعاليم الشريعة بل ويطبقونها في حياتهم العملية ويجعلون ذلك التطبيق هو المسيطر على تصرفاتهم العامة والخاصة..

ولكن ديناميكية التطبيقات تختلف تارة عن الإيديولوجيات فنية تكون الأيدلوجية خاطئة فيتبعها التطبيق، وفي كثير من الأحيان تصدر التصرفات عرفية ولاصلة للفكر بها ألا أنها ايجابية غالباً لأنها لم تسن ألا لإحياء الفضيلة في المجتمع فتكون الأيدلوجية حينها إنسانية سواء كانت مستمرة من الدين أو عرفيات اجتماعية ولكنها محترمة ما احترمت الإنسان ومحتقرة ما احتقرته..

فالمجتمع المتدين باحث عن الأسوة ما بقي، لان الأسوة الحسنة صمام أمان لتربية الأجيال ونشر الفضائل، وبغيابها تغيب لعدم خلق الرادع التربوي الذي من شأنه أن يخلق رقيباً في قلب كل بشر يعيش في المجتمع، وبمنهج التطوير في التطبيق بأسس مدروسة من الأسوة، فيكون الشاذ أخلاقياً في منعزل عن أهل الفضيلة، ليسلم المجتمع من شره..

وباعتبار المعتقدين بالدين الإسلامي يؤمنون بالقرآن الكريم فانه قد حدد لهم التأسي بالدين حسب قوله تعالى [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]ليكون الدين الشامل لكل متطلبات الحياة حاكماً للأمور المعيشية..

وتحت إدراك المجتمعات لضرورية تفعيل القيادة الدينية المتمثلة بالمرجعيات ورجال الدين المتبعين للعلماء المعتمدين ! ففي عصرنا قامت  فئات طامعة لان تقود تلك الفلول تحت التأثير الديني الذي إذا مس العروق تفجرت كافة طاقات الإيمان عبر نبضاته الروحية المتدينة، فتدخلت بعناوين مختلفة خارجة عن المرجعيات المعتمدة لتشابهها على الناس والسواد، ولكن الواعي الفطن يبحث عمن هو معتمد ليكون راجعاً إليه وقت الحاجة، كمن يبحث عن الطبيب المناسب ليراجعه وقت العوز الصحي وحاجة الإنسان إلى الاستفسار الديني المتجددة..

مفهوم الجهاد

نشر على بواسطة .

إن أقدس ما يدين الإنسان نفسه بها هو الدين، فهو الذي يسيِّر حياته بحسبه، وعلى ذلك فان اهانة الأديان رفضتها جميع الأنظمة والأديان والمثل العليا التي تقود بين البشر..

لحرمة الإنسان ودمه وماله وعرضه قائم بقداسة الدين الذي يدين به، ألا ترى بأن الدخول للمتطرفين بدين ما بطريقة سلبية لا يحمي إلا من يدينون بدينهم؟! ألا ترى بان العجز القانوني في أي بلد يقوم بالأديان وتعاليمها السائدة في المكان؟! ألا ترى بأنك غالبا ما تسأل الإنسان عن دينه؟! أو ان معرفة ذلك مهم لكي تقيم علاقة ما؟!

فالدين ضروري لإثبات هوية الشخص ووجوده في أي حالة من الحالات التطبيقية على ارض الواقع، والإطالة في هذا الصدد ليست لها طائل أكثر من استذكار أهمية الدين التي يعرفها أيٌّ من أهل البشر، ووضوح حرب العالم على الشيوعية واضح لفقدانهم الدين واعتبارهم الدين أفيوناً للشعوب..

الدين القويم يحمي أنصاره وما يتعلق بهم من أعراض وملكيَّات وأوطان وذلك عبر مسميات مختلفة، كالجهاد الذي سنه الإسلام فريضة على العباد وجعل له مكونات اوجب توافرها قبل البت به، وان اختلفت العناصر ولو بعنصر واحد عنه أو تخلفت، سقطت تلك الفريضة كفروض أخرى لو تمحصتها لوجدتها انسب ما يمكن عمله بالموقف المستدعي للفرائض..

وهذه المكونات والعناصر التي تستدعي فتوى الجهاد لا يدركها إلا المفتي أو الحاكم الشرعي المعتمد من قبل علماء الملة ومرجعياتها التي تدرك أدلة الأحكام الشريعة ويتوصل لحقائق ودقائق نتائجها، فقد يتكلم السياسيون بضروريته في آن ما ولكن الضرورة السياسية بعجز الأطراف الدبلوماسية عن تحقيق الحلول والمبتغيات ليس بمسوغ للجهاد ولا مبرر له.. ولكن الشريعة تحوي جوانب أخرى وعناصر مختلفة له بحكم الشريعة، وما تخص بالمباشرة الكرامة الإنسانية عرضه وأملاكه ووطنه بالمفهوم العام والمعنى الشمولي..

مفهوم الحرية السياسية ومفاهيم القانون

نشر على بواسطة .

كفل السياسيون المتنورون حرية الأفراد الشخصية تحت عناوين مختلفة تبدو في وهلتها الأولى بأنهم قد جعلوها عامة ومطلقة، ولكن القانون يحكم السياسة بتشريعاته العامة والخاصة داخلياً..

ولكن الحرية مقيدة بقوانين تكفل راحة الغير وحرياته فلا تكون حرية على حساب حرية وتفضيل لأخذ على احد، فعلى ذلك يجب أن يعرف كل عاقل بأن الحرية المطلقة متعذر تحقيقها، بل أنها لو تحققت لدب الفساد والدماء في الأرض لا محالة ولهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله.. فالحريات مقيدة بالقوانين والأديان..

ولكن المنطوق القانوني لا يرى إلا عدم إيذاء حريات الغير بغض النظر عن حماية الظواهر الاجتماعية والضروريات المعنوية كما ان القانون لا يحمي المغفلين، ولكن الشريعة تراعي وتحمي كل ذلك وما لا يتحقق من العدل في الدنيا ترجيه للآخرة.. بل وتبحت في دعوى الاستغفال إذا رفعت ولها أسسها لحماية المغفل والساذج وحتى حقوق المجانين..

وللشريعة مفهوم النحلة الذي يكفل حقوق أهل الديانات الأخرى ومذاهبهم وترى هوية الفرد بدينه إذ لا هوية للكافر لخلوه من الدين.. فالأديان السماوية لها تشريعها وقانونها التشريعي، فبحسب التنظيم القانوني الشرعي والتشريعي يكون لكل نحلة محكمتها الخاصة فيما إذا وقع الخلاف أو الجناية من احد فتحاكمه محكمة ألا إذا دار الأمر بين طرفين اختلفا في الدين فان للشريعة قانونها التوفيقي في الأمر لتحقيق العدل الاجتماعي..

فضلا عن القوانين الوضعية التي تجعل البشر كلهم تحت قانون واحد يخلق نوعاً من السطوة والسلطنة تحت عنوان السواسية والمساواة بينما تصادر الحريات الأخرى، وقد تعطي الكاف الذي لا دين له فوق حقه – وهو اشد بسيارة تمشي بلا هوية لوحة الأرقام فبماذا يدان لا اعلم!! ولكن الحق ان يجبر على تطبيق القوانين وليختر منها ما شاء ان تعدد الدستور..

ان العموم والخصوص من وجه في المفاهيم قد أصبح يشكل خطراً في التطبيق ان لم يتدارك الأمر والدستور الموحد قد جعل الجميع يحسون بنقصان حقوقهم وثبات حقوق الغير، فعمد السياسيون لجعل الدين الغالب هو السائد – منطق القوة – وجعل الديانات الأخرى متصارعة له، وذلك ليس من مفاهيم ديننا الحنيف، بل ان الدين يرى لكل نحلة محكمة تحكمه والرجوع في حال اختلاف الطرفين لدين الإسلام، فهو الدين الوحيد الذي شرع هذه الفتوى وهو الأولى بالتوفيق فيها، فبذلك نضمن انعدام الضرر أو قلته بالنسبة للحريات المختلفة..

وعلى المكلف العادي والإنسان المنصف ان يدرك تلك الخلافيات الطبيعية التي لا بد منها لكي لا يستغله السياسيون ليزجوه في معترك يدمر البلدان ويهلك الحرث والنسل، فليس بالضروري ان يسوي الإنسان مشاكله بالقوة وإنما التفاهم مع التنازل عما يمكن التنازل عنه ضروري، وتدعم كل الأديان حرمة الدماء الإنسانية بعيداً مهارات السياسيين الخاصة..

اذكر ان احدهم مرة استشكل منع الشريعة للزنا وشرب الخمر وتحريمها قائلاً هل تصرف عليَّ لتمنعني؟! فقلت: ولو كنت أصرف عليك أموالاً طائلة لمعيشتك فهل يحق ليَّ منعك مما حلل الله؟! ولكن المنع يأتي من الشريعة لكي تحمي المجتمع من فساد يغذي الناقصين والغير سويين أو الغير متساوين في أخلاقياتهم والذين يضيعون حياة البواكر من بناتنا ومستقبلهن أو حياة أولادنا ليناموا تحت مؤثرات السكر والعربدة، فهل ان الإنسان سيضبط حياته بلا دين؟!

السياسات الخارجة

أما عن السياسات الخارجة ومعترك الخلافيات فيجب فيه التذكير بتعاليم الأديان لان السياسي المعتنق لدين ما، يعني اقتناعه بتدخله في كافة تصرفاته الحياتية، فان لم يكن لهم دين فالتفاهم حينها بالمشروع شرعاً من منطلق التوجيه الديني أو حماية الأمة ومصيرها من عدم القيام بالمرفوض دينياً أو شرعاً أو زج الأمة في الزوايا المخالفة لشريعتها..

ولكن الظرف الراهن بثبت بأن السياسيين قد همشوا الأديان ليمشوا تحت قوانين وضعية صنعتها الفلسفة ومنطق القوة حتى اقتنع قليلوا البصيرة بما يطيعه الأقوى تحت عاطفية الذلة والمسكنة والتفرعن على من هم اضعف منه حتى يصنعوا المدرج الطبقي الدولي بحسب تصانيف القوة الغابيَّة..

فمن سمح لدولة امتلاك أسلحة نووية فتاكة عن البعض الآخر ومن سمح للدولة الفلانية ان تحتجز دولة أخرى وتقسيمها وفق مبتغاها وهكذا فان منطق القوة الغالب على المجتمع الدولي لا يشجع على الانخراط فيه، فانظر إليه بأنصاف من بعد، مجزرة تحدق بأخطار شياطين البشر، ولكن الدخول فيه يجب ان يكون بحذر ديني ووازع أخلاقي والاعتراف بالحق لتحقيق العدل والمحتاج سيقصدك حتماً، كما يفعل البشر في أي سوق من الأسواق حيث العدل والظلم في نفس مجتمع السوق ولكن التمايز واضح بفحوى المعاملة..