فئة الأرشيف: أسرار الصلاة

image_pdfimage_print

رفع اليدين قبل التكبير

نشر على بواسطة .

عن الفضل بن شاذان عن الإمام علي بن موسى الرضا  عليه السلام قال : إنما ترفع اليدان بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع  فأحب الله عز وجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا و لأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال – و زاد في العلل – و القصد لأن الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح ، و كل سنة إنما تؤدى على جهة الفرض ، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدى الفرض ..
فرفع اليدين  بجانب كونه ضربا من التبتل و الخشوع هو ضرب من التعظيم و التضرع ..فالتنبيه الذي يجب أن يذكر هو أن التكبيرات السبع الافتتاحية يجب أن يذكر واحد منها فقط على نية اعتباره ركنا و أما الباقيات الست فهي على سبيل الاستحباب ..

النية

نشر على بواسطة .

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : (النية أفضل من العمل) – ثم تلا قوله تعالى – [قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ]  يعني على نيته ..و عن زيد الشحام عن الصادق  عليه السلام إني سمعتك نقول : نية المؤمن خير من عمله، فكيف تكون النية خيرا من العمل ؟؟!! قال : عليه السلام لأن العمل ربما كان رياءا للمخلوقين و النية خالصة لرب العالمين ، فيعطي عز وجل على النية ما لا يعطي على العمل..
فالظاهر، بل الواضح للعيان أن النية صعبة الإحراز ، فلها مداخل كثيرة ، رغم أنها رأس الصلاة ، و لكن  الأعمال متن ركوع أو سجود أو غيرها من العبادات تكون ظاهرة للرائي فلا يحكم عليه بها ، لأن النية مخفية بين كواليس النفس المبهمة التي لا يعلمها إلا الله و القائم بالعبادة ، فهذه المعادلة الصعبة على البشر في الحكم على العمل من صلاح أو فساد ، من قبول أو عدم متروكة للمولى جل و علا ، والعبد الذي يدرك أن عمله لله أو لغيره إذ هو أدرى بحاله ، و كل هذا لأجل أن يعلم العبد أن العبادة من الخصوصيات التي بينه و بين المولى جل و علا ..

القبلة

نشر على بواسطة .

من فكرة التوحيد القوية أن جعل عالم كل عليم ، وسيد العقلاء القبلة الموحدة في التوجه تجاه المولى ،بل لم يكتف بذلك ، ولم يكن كذلك فحسب ، بل جعلت هذه الجهة هي المقدسة عند المسلمين ، فلا يجوز التخلي و إخراج الفضلات و أنت متوجه لها أو مستدبرها ، بل و يستحب الدعاء و التوجه للرب باستقبالها لإحراز الاستجابة ..
فالإسلام  الأعظم رغم انقسامه إلى مذاهب مختلفة ، إلا أنه ما زال محافظا على هيكله العام من وحدة و تكاتف تجاه  أعدائه ،و ذلك بسبب وحدة المقدسات ..والتوجه جميعا في آن واحد تجاه الرب يدعون بنفس الآيات  و القراءات ..
فمن المعلومات الإسلامية تاريخيا تبديل القبلة و تحويلها من المسجد الأقصى إلى الكعبة ، و كثير من الناس تسائل عن السبب في ذلك ، فهو غير محرز لأن الذي بدل القبلة هو صاحب العقل اللامحدود و الذي   يسأل عن السبب عقليته  محدودة.. بالرغم من هذا فهناك رواية تدل على أن ذلك اختبار لنفسيات المسلمين :
عن أبي بصير ، عن أحدهما ،في قوله تعالى:(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فقلت : الله أمره أن يصلي إلى البيت المقدس ، قال :نعم ، ألا ترى أن الله سبحانه و تعالى يقول : ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) قال : إن بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة و قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس ، فقيل لهم إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة ، فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين..

التمهيدات

نشر على بواسطة .

يقول أهل الفن : انك طالـما نويت الصلاة بالوضوء لهـا فإنك منذ تلك اللحظة الآنية دخلت بها فاحم نيتك من دخول الشوائب الغريبة ، والإرادات المريبة ، وروض  نفسك للدخول في تلك اللحظات الرهيبة ، فإن حضرة المولى أقرب من حبل الوريد قريبة ، فاشتغل للحبيب بتحضير عواطفك الحبيبة ، واستحضر ذنوبك بنفسك الخاشعة الكئيبة ، فإنما يعز على العزيز من عبده عبرته و نحيبه ، فاستنهض حياءك منه كما تستحي من خطأ ترتكبه في حق من هو ذو كرامة و هيبة ..
اعلم، بأن النية كالشجرة التي تملكتها العصافير المغردة بالغناء والصفير ، و أنت تحت تلك الشجرة تود التفكر و التفكير ، فلو طردتها من تلك الشجرة عادت إليها وهي تطير ، فعليك أن تقتلع تلك الشجرة حتى تبلغ الهدوء دون أن تستطير ، فبهذا كان من اللابد منه اقتلاع الأفكار كهذه الأشجار ، حتى لا ينشغل الاستبصار ولا تنحرف الأوتار ، فما يشغلك من جوع أو عطش أو حاجة فاقضها ثم اتل الأذكار أو تقدم لرؤية جلال الملك الجبار .. فإن الرسول  صلى الله عليه وآله يقول: ” ما من عمل إلا وهو مقرون بالنية .. ” فاترك لهذا أحلامك الوردية، وتقدم إلى الله بكل جدية.
فاستعد للقاء بأحلى الحلل وتمثل بأعمال خير العمل و تقدم بخطواتك الوقورة للوضوء وأنت تبتهل ، فإنه جائز لك السرور مما أنت فيه من التوجه للجليل الأجل ، ولكن حذار من دخول الرياء والعجب حتى لا يكون من نصيبك الفشل ، فإن النية على مدارها تدور الدوائر و يحصل التوافق والتنافر ، فتمثل بسلوك السالكين ليدرجك الحبيب في الصالحين الذاكرين الخاشعين ، ( فمن أحب عمل قوم حشر معهم ) ..

بين الأذان و الإقامة

نشر على بواسطة .

طالما أن الأذان إعلام لدخول وقت الصلاة، فالإقامة مفتاح للدخول في رياضها، و لكل منهما استعداده الخاص للخوض فيه و الامتثال المعنوي الخاص ، لذا فإن الخروج من الأذان إلى الإقامة يحتاج لصلة تدريجية نوعا ما ، و التهيؤ للدخول من باب العبادة .. و الوقوف بين يدي الجبار الغفور ..
عن الإمام  الصادق عليه السلام  قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأصحابه : من سجد بين الأذان و الإقامة فقال في سجوده : ( سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا ) يقول الله جل وعلا : ملائكتي و عزتي و جلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين و هيبته في قلوب المنافقين ..
من الواضح للعيان  أن الخاشع الذليل لله تعالى يعزه الله بين الناس و ينصره نصرا عزيزا ، فالخشوع بذلة النفس له جزاء العزة ..
عن ابن أبي عمير عن أبيه عن الإمام الصادق  عليه السلام قال : رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان و الإقامة فلما رفع رأسه قال : يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها و قال : من  أذن ثم سجد فقال:( لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاشعا خاضعا )، غفر الله له ذنوبه كلها..
فالخشوع هو الصلة الواقعة بين النداء و الأداء ، أي أنه الاستعداد الروحي المتضرع للرب الجليل و الحلة الأولى التي يلبسها المؤمن لمناجاة المهيمن ، فالمؤمن يستغل هذه الفرصة الذهبية ليتفاعل ذاكرا ذنوبه بمشاعره اللهبية ، من هنا يبدأ تصور المثول أمام المولى ومن هنا يبدأ التقلقل و التباكي أو البكاء ..
فأقرب ما يكون فيه العبد للمولى هو السجود ، ففيه يعترف متضرعا بنكران الوجود .. فعليه في هذه اللحظة بذل الكثير الكثير من المجهود ..
عن علي بن مهزيار عن الحسين بن أسد عن جعفر بن محمد بن يقظان رفعه إليهم : قال : يقول الرجل إذا فرغ من الأذان و جلس : (اللهم اجعل قلبي بارا و رزقي دارا و اجعل لي عند قبر نبيك قرارا و مستقرا )..
فالواضح بأفصح الأقوال أن لحظة الأذان و الإقامة لحظة يجب أن لا تفوت لعظمتها التي فيها الدعاء لا يموت ، فليستغلها العبد بكل ما أوتِ ،فهي تجمع للعبد منفعة الدارين الرزق و الرق ..فمن أراد الوقاء فعليه بسلاح البكاء ..

المواقيت

نشر على بواسطة .

من مبادئ توحيد صفوف المؤمنين و سياسة الاتحاد في المدرسة المحمدية أن يكون هناك أذان يجمع الناس في لقاء مع الرب الجليل ناشرا بينهم المودة و الألفة و يجعلهم كالبنيان المرصوص ،، كما و أنه يحسسهم بيوم الحشر و اجتماع الناس لرب العالمين ..
عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال : (إنما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة، منها أن يكون تذكيرا للناس ، وتنبيها للغافل، و تعريفا لمن جهل الوقت و جهل عنه ، و يكون المؤذن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق، و مرغبا فيها، مقرا له بالتوحيد ، مجاهرا بالإيمان، معلنا بالإسلام ، مؤذنا لمن ينساها ، و إنما يقال له مؤذن لأنه يؤذن بالأذان بالصلاة ، و إنما بدأ منه بالتكبير و ختم بالتهليل لأن الله عز و جل أراد أن يكون الابتداء بذكره و اسمه ، و اسم الله في التكبير في أول الحرف و في التهليل في آخره ، و إنما جعل مثنى مثنى ليكون تكرارا في أذان المستمعين ، مؤكدا عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ، و لأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، وجعل التكبير في أول الأذان أربعا  لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة ، وليس قبله كلام ينبه المستمع إليه ، فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان و جعل
بعد التكبير ..) ..
فكما بين الإمام عليه السلام  بعض أسرار الأذان موضحا إياها للفضل بن شاذان ، بين أهميته بالنسبة للأمة الإسلامية ، فالمسارعة بالاستجابة لداعي الله يدرج المؤمنين في طريق الأبرار و كأنما هو اقتداء بحت بإمامة رسول الله ، حيث أن عليه أن يتخيل قيام الرسول في مثل هذا الوقت و إنه بذلك يتبعه و يستحق أن يكون من أنصار الدين ، و كما قال أمير المؤمنين في مبدأ الثواب و العقاب : (في أولها جزور و في آخرها زرزور ).فالشعور بنداء المولى أولى بالإتباع من نداء أي كان ، إلا الكسل، فعلى المؤمن محاربته قبل العمل .. و لن يكون ذلك إلا بعد إيكال الأمور كلها لله و الإيمان بقدرته على التوفيق حقيقة .. أي الجزم بذلك.
أجر المؤذن ..
عن الإمام الباقر عليه السلام : (من أذن سبع سنين محتسبا جاء يوم القيامة ولا ذنب له..).
فعلماء النفس قد بينوا أن نجاح أي تجربة روحية أو نفسية لا يبين إلا بعد سبع سنين ،فالعلاقات مثلا من زوجية أو غيرها لا تبين حقيقتها إلا بعد السن السابعة من شروعها حيث تتكشف النوايا الحقيقية للطرفين و الطباع الأصلية تظهر للعيان ، فإما أن يظهر التكيف و التطبع  أو النفور بلا تورع ، فكلام الإمام و قوله سبع سنين ليس بعابث في العدد ، إذ أنه يقصد المواصلة بالتحبب للمولى في العمل ، فالمتودد لله أولى بغفران الذنوب ..
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام : ( من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة ، وجبت له الجنة )..
حيث أن المؤذن قد تجاهر بصوت الإيمان سنة كاملة .. و دعى إلى الله جامعا للمسلمين..
عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : للمؤذن فيما بين الأذان و الإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله ، قال رضي الله عنه : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وآله، إنهم يجتلدون على الأذان ، قال : كلا ، إنه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم ، و تلك لحوم حرمها الله على النار..
و هذا ما تسالم عليه هذا الزمن  ، حيث ترى الناس قد نفروا عن المساجد فضلا عن الأذان .. فلو أدرك الناس ما في الأذان من فضل لتجالدوا عليه بالسياط .
كما أنه قد روي أن من سمع الأذان و قال كما يقول المؤذن زيد في رزقه ..

أسرار الوضوء و الطهارة

نشر على بواسطة .

قال تعالى : [ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (1)..
أمر التطهر و الوضوء مستنبط من هذه الآية الكريمة ، و لكن هناك ما هو أكثر من ذلك ! وهو اعتبار هذا الأمر نعمة إلهية للعبد  المؤمن .. فمن التأمل يتضح لنا أن المولى جل وعلا  لما من علينا بتعليمنا كيفية عبادته بالوضوء ، أخبرنا في  مورد آخر بأنه يحب التوابين و يحب المتطهرين فالطهارة طهارتان  طهارة البدن و طهارة الروح ، فطهارة البدن معروفة الكيفية من الآيات القرآنية أو الأحاديث المروية .. أما طهارة الروح فلا تحصل إلا بتوجيه النية و هذا لا ينال إلا بمعرفة الأسرار المروية عن الوضوء خاصة ..
فالكثير من الناس يتساءل عن أسباب كون الوضوء بهذه الكيفية
وذلك قد ورد في الرواية الآتية : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله و سألوه عن مسائل، فكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمد لأي علة توضيء هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد ؟؟!قال النبي صلى الله عليه وآله: ( لما أن وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام دنا من الشجرة ، فنظر إليها فذهب ماء وجهه ،  ثم قام ومشى إليها  و هي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل فطار الحلي و الحلل عن جسده ، فوضع آدم     عليه السلام يده على أم رأسه و بكى ، فلما تاب الله عليه فرض عليه و على ذريته تطهير هذه الجوارح فأمره بغسل الوجه لما     نظر إلى الشجرة ،و أمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، و أمره بمسح الرأس لما وضع يده على أم رأسه و أمره بغسل المرفقين لما مشى بهما إلى الخطيئة)(1)..
فالوضوء في حد ذاته عبادة استغفارية ملموسة ، و نفحات تأديبية مهموسة ،من المفروض أن  يلتمسها العبد من مولاه الأكرم بعد أن يطهر النفس من كل رجس و دنيئة مدسوسة .. فكم و كم نظر العباد إلى المحرمات، و كم وكم  سعوا إلى اقتراف الدنيات، و كم وكم ندموا برهة ثم عادوا يلهثون خلف المغريات .. فالوضوء المطهر للبواطن خير علاج لكل دنس متزامن ..فليذكر المذنب ذنوبه حيين الوضوء كل عضو بعضوه فالعين تستغفر لما نظرت، و اليد لما اقترفت ، و الرأس بالندم ممسوح و الرجل لما سعت نحو كل ما يقترف ، هذا في الواجبات… أما في المستحبات فالكف أيضا تقترف المهالك والأنف أيضا يشم الريح الذي تجره للدرب الشائك، و الفم هو أخطر أداة لإظهار الخفيات النفسية،  فقد يسلم و يشرك ..
عن الإمام الصادق عليه السلام  قال :  بينما أمير المؤمنين قاعد ومعه ابنه محمد إذ قال : يا محمد ائتني بإناء  فيه  ماء ، فأتاه به ، فصبه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال : (الحمد  لله الذي جعل الماء طهورا و لم يجعله نجسا) ، ثم استنجى فقال : ( اللهم حصن فرجي و أعفه و استر عورتي و حرمها على النار ) ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة و اجعلني ممن يشم ريحها و طيبها و ريحانها ، ثم تمضمض فقال : ( اللهم  أنطق لساني بذكرك و اجعلني ممن ترضى عنه ) ، ثم غسل وجهه فقال : (اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه) ، ثم غسل يمينه فقال:  ( اللهم أعطني كتابي بيميني و الخلد بيساري) ،  ثم غسل شماله فقال : ( اللهم لا تعطني كتابي بشمالي و أعوذ بك من مقطعات النيران )، ثم مسح على رأسه فقال : (اللهم غشني برحمتك و بركاتك و عفوك ) ، ثم مسح على رجليه فقال : ( اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عني ) ثم التفت إلى محمد فقال : يا محمد من توضأ بمثل ما توضأت و قال مثل ما قلت خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه و يسبحه و يكبره و يهلله و يكتب له ثواب ذلك(1)..
فالمزج في المشاعر المتوجهة للمولى لا يضر،  و القصد لمعنى الكلام الوارد عن أمير المؤمنين و الالتزام بالمأثور عنه يجعل الموالي ضمن شيعته التابعين له ، فهكذا يؤدب علي عليه السلام شيعته ..فالطالب للفنون العبادية لابد أن يسأل و يستفهم  عن المعاني اللفظية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام كي يتوجه بلذيذ المرام إلى الرب العلام ..

الرجاء

نشر على بواسطة .

الرجاء هو السعي نحو نيل الأمور المرغوبة لغة .. و هو محاولة نيل المحبوب من الله خصوصا ، عند أهل الاصطلاح ..وله أنواع عديدة ..منها :
(1 ) الراجي الكاذب: كالذي لديه مقدرة العبادة ، ويتمنى أن يكون عابدا زاهدا..فما الذي يمنعه من أن يكون كذلك ؟؟!
(2 ) الراجي المغرور : كالذي لا يسعى لتطوير نفسه عباديا و يشعر بالرضا العام و القناعة أنه من الزاهدين الذين و فوا بالشكر للمولى جل و علا ..
(3 ) الراجي الصادق : و هو العامل بجد و إخلاص و يقين للمولى جل و علا منتظرا القبول منه بعد أن قام بالمطلوب منه .. فهو الراجي الأمثل ..
و هناك الكثير الكثير من الأنواع و الصور للزاهدين و لا يثمر منهم سوى الصادق في العبادة أمين .. و لكن الصورة الأخطر هم الذين يدعون حسن الظن بالله و هم لا يعملون .. فحسن الظن في حد ذاته منزلة إيمانية عظيمة ، حيث يقول المولى جل وعلا في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي فليظن ما شاء)، و لكن هذا لا يعني أن يكون العبد مستهينا بالله عاصيا له ..فقد ورد من الأخبار المتواترة خبر عن قوم  كانوا في زمن الإمام الصادق  يلمون بالمعاصي ، وإذا خاطبهم الناس بطلب الامتثال قالوا نحن نرجو  ، متجاهلين أنه الآمر بأداء الفرائض ..فكان جواب الإمام : (كذبوا فمن رجي شيئا عمل له و من خاف شيئا   هرب منه)(1) فهذا دليل على أن نيل الثواب الجزيل لا يكون إلا بالعمل الصالح الجميل للجميل ..
فرجاء المغفرة لا يكون إلا بالإلحاح في الاستغفار و المعذرة ، فالباكي ندما مستغفرا من الذنوب والأوزار أولى بحسن الظن من المدعي المهذار ..
و الراجي للخير المحسن بالظن صادقا يجب أن يلتفت إلى نفسه وميزانيتها كي لا يخلق الرجاء عنده التهاون في أداء الواجبات فضلا عن المستحبات ، فما إن يحس المؤمن بالثقل و الكسل فعليه أن يوجد العلاج بالعجل .. أي عليه أن يسارع بقراءة آيات الزجر و الحث حتى  يكون لجذور الكسل و التهاون مجتث ..

الخوف والرجاء

نشر على بواسطة .

قال الله في محكم كتابه :[  اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ].. صدق الله العلي العظيم ..فالحق في التقوى لا يكون إلا بعد المعرفة بها … والعلم بكيفية الولوغ والاستغراق في أنواعها ، وتفهم محتوياتها …
فالتقوى هي الخوف بشكل عام في اللغة ..أما في الاصطلاح الأخلاقي والعبادي فالتقوى هي خصوص الخوف من المولى جل وعلا .. وتنقسم لقسمين :
1- الخوف الحسي :وهو ما كان خوفا من نيل العقاب كخوف العبد  من عصا مولاه، أو خوف الصبي المميز من الأفعى أو العقرب أو النار ..والمكلف المتعبد بهذا الخوف يقتصر على العبادة الواجبة والمفروضة فقط خوفا من النار وبئس القرار ..والعابد التاجر أيضا يتعبد بهذه الكيفية خوفا من الخسارة ويؤدي الفرائض والمستحبات للفوز بنيل الرغبات وعدم الوقوع في المحذورات ، وبئس التلعات ..
2- الخوف العقلي :وهو خوف الأحرار من المولى جل وعلا..كخوف أمير المؤمنين عليه السلام حينما يقول في دعاء كميل : ( وهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك  )(2) فبهذه الحالة العبادية و هذه الكيفية يتحقق الخوف الحر ، و يحصل البر..
فهــو الـذي قـال: ( عبدتك لا خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك ، و لكني رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك ..) .
فعلى العبد أن ينظر متفكرا في نفسه ، هل أن عبادته و صلاته ناتجة لخوف من الرب الجليل من عقابه بالويل ؟؟! أم هي خوف من الخسارة  وكساد التجارة ؟؟!أم أنها محضة لا تقبل القسمين السابقين ؟؟! أي أنه لو لم يكن هناك مبدأ الثواب و العقاب هل كان هذا المكلف سيتعبد شاكرا للمولى جل و علا؟؟! أرجو أن يكون المكلف صريحا مع نفسه في هذه الأسئلة، كي يستفيد من جميع الأمثلة ، و يطور نفسه لبلوغ  أعلى و أرقى معاني العبادة الممتثلة ..
فالميزان العام المتكون في النفسية على البديهة ( إن الإيمان يزيد بزيادة الخوف و ينقص بنقصانه ) ، فهو المربي العام و المغذي الأمثل لروحية المسلم و المؤمن .. كما أنه يستحب للمؤمن أن يستمع و يقرأ ويتابع أخبار الخائفين بل و يجالسهم إن أمكن كي يستقي من فيوض تعاليمهم .. كالصحابي الجليل أويس القرني رحمه الله  .. وغيره..
و الفقهاء قد أفتونا مأجورين في الخوف أن منه ما هو محرم ، كالخوف الذي يوصل العبد لدرجة القنوط و اليأس من  رحمة الله سبحانه و تعالى ، فهو الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء .. و الخوف المستحب هو الذي يدفع العبد للامتثال حتى في أداء المستحبات و الأذكار و عدم نسيان العبادة في أي وقت من الأوقات .. و أما الخوف الواجب فهو كالخوف الحسي الذي مر ذكره سالفا ، أي الخوف الذي يدفع العبد لأداء الفرائض و عدم التخلف عنها ، أي أ،ه الرادع العام في نفسية المسلم الملتزم بالتعاليم  الإسلامية ..
هل الخوف من الله ضعف في الشخصية ؟؟!

قال الإمام الصادق عليه السلام: ( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، و من لم يخف الله أخافه الله من  كل شيء ..).
التحليل و الإيضاح : قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :[إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ](2) و في مورد آخر :[أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]

مما يدل على أن التعلق بالمولى جل و علا  هي الجهة التي يتعلق بها كل قوي و ضعيف و الجهة التي يتضرع لها في الشدائد كل وضيع و شريف تخلق للعباد طمأنينة عن كل ما سواه .. فحينما يشعر العبد بتسديد المولى له تنبع طمأنينة العبد من خوفه من خوفه من الله و إيمانه به عمن سواه فلا يخشى غير الله .. وهذا مما يعد قوة في الشخصية لا ضعف .. بل هذه هي القوة بعينها كامنة بين جوانح القلب المؤمن بالله سبحانه وتعالى ..

كيفية الخوف ..

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : (خف الله و كأنك تراه ، فإن كنت   لا تراه فإنه يراك ، و إن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم  أنه يراك و برزت له  بالمعصية ، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك )..
الشعور العام بوجود الرقيب ، والامتثال النفسي بطاعة الحبيب المجيب، يخلقان للإنسان جوا من الانقياد و الشعور بلذة العبودية خصوصا حين الشعور بالسعي الإيجابي نحو المثالية.. فعليه يكون العبد ساعيا لمرضاة ربه مبرهنا على صدق دعوى حبه .. مريحا لضميره و لبه .. فكلما أدرك الإنسان الوهن في إيمانه و التكاسل في أداء فرائضه ، أو نوافله إن كان معتادا عليها ..فعليه بقراءة آيات الزجر و التخويف ليندفع منطلقا تجاه العبادة الحقة ، مسترسلا يلف حوله سلاسل رقه ، معترفا و مقرا له بالطاعة و التقصير .. و إما رأى نفسه قد يأست من رحمة الله أو قنطت من مغفرة المولى فليسارع نحو قراءة آيات الرحمة و المغفرة ليساوي ميزانه نحو الحالة العادلة و ذلك هو الرجاء الذي سيأتي الكلام عليه ..

الفــن و الصنـاعـة

نشر على بواسطة .

من المتعارف عنـد كل عارف بأن الصناعة : هو كل ما كان له تطبيقا فعليا في الخارج ، و الفن كذلك ، لكنه يتميز بإظهار جودة الصناعة والعمل بالكيفية المقبولة لدى المطلع عليها ، فهذه المعلومة فكــرة معروفة و معلومة ..
لهذا ، كان مما لا بد منه معرفة الفنون العبادية قبل الدخول في حضرة القداسة الأنقيادية ، كي تتمثل النفس و تتشكل في قوالب الأهداف الارادية طاردة كل الهفوات اللاإرادية ، فتنصب  بمشاعرها مشعلة منصهرة في  كؤوس الخشوع و العبودية ،و هذا يتطلب تهذيب  السلوك من المقدمات للمتممـــات كما قال السالكون بالأخذ مما روي عن أحوال أهل البيت عليه السلام حين مقابلة ملك الملوك في الرخاء وحين التمام الملمات ..
فعلينا أولا الاستعداد بالتمهيد للقاء الرحيم الشديد ، آخذين في الاعتبارات العقلية بأنه لا تنفتح أبواب الإنارة الغيبية إلا بمفاتيح الطهارة القلبية ، وهي لا تتحقق إلا بإزاحة الأفكار الريبية . للولوج بالرقي لمدارج  الفنون و التلذذ بألطاف من هو أكثر من قلب الأمهات حنـــــون..
فمما هو مفروغ  منه ، و معلوم عنه ، أن الصلاة هدية لخالق البرية ، ومعبرة عن الشكر له  بأذكار سرمدية توقظ البشرية من صنوف الغفلات ، و تجعله يستغفر المتعال  الغافر بالدموع والآهات ، فلذا قال عنها سيد البريات: (الصلاة صابون الخطايا) ، وكانت أول شهادة من الموالي للآل الأطهار في شتى الزيارات : ( أشهد أنك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر…)(1) فهي (عمـــود الدين) إذا ما اختلت بركن من أركانها عمدا أو سهوا أو تهاونا خرت خيمة الدين ..  فهي قرة عين الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم ، و حليفة البتول عليها السلام و حضرت الحسين عليه السلام في كربلاء  تنعشه  في حرارة تلك الفلول ..
أرأيت لو عالجك طبيب بشفاء خدوش أو جرح ، لتملكك الفرح ، ستشكره ولن تسترح حتى تنفق له هدية برضا قلبك السمح ، فكيف بالخالق الجليل ؟؟! الذي أوجدك ؟ والطبيب الذي بغيره الشفاء يستحيل، ألا تهديه الركوع بالخشوع ؟؟!والسجود بالخضوع ؟!!
فعلى الداخل في العبودية ،و فاتح مصاريع أبواب العبادات المرجية أن يعلم بأن قدسية المولى جل وعلا عن صلاته غنية ، فلا يزكين نفسه عن النفوس الغيرية ، فإنه لا بد أن يلحظ ما فيه من سلبية ، فيخطرها لحصول السببية ،للخضوع تحت ضلال الربوبية ، و الابتهال بالمأثور من أقوال الآل عليهم السلام..
فالصلاة عند أهل الصناعة الفقهية هي تلك الأفعال والأقوال من ركوع أو سجود أو تكبير مقرونة  بالنيــة فإن كانت بهذا الوجه مأتية فهي مجزيـة ، ولكن أهل الفنون يزيدون ويضيفون بأنها لحظات اللقاء العشقية و التلذذ بالرقية ، فوضعوا لها التمهيدات والاستعدادات والكيفيات المروية والعلاجات الشافيـة ..