الخوف والرجاء

image_pdfimage_print

قال الله في محكم كتابه :[  اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ].. صدق الله العلي العظيم ..فالحق في التقوى لا يكون إلا بعد المعرفة بها … والعلم بكيفية الولوغ والاستغراق في أنواعها ، وتفهم محتوياتها …
فالتقوى هي الخوف بشكل عام في اللغة ..أما في الاصطلاح الأخلاقي والعبادي فالتقوى هي خصوص الخوف من المولى جل وعلا .. وتنقسم لقسمين :
1- الخوف الحسي :وهو ما كان خوفا من نيل العقاب كخوف العبد  من عصا مولاه، أو خوف الصبي المميز من الأفعى أو العقرب أو النار ..والمكلف المتعبد بهذا الخوف يقتصر على العبادة الواجبة والمفروضة فقط خوفا من النار وبئس القرار ..والعابد التاجر أيضا يتعبد بهذه الكيفية خوفا من الخسارة ويؤدي الفرائض والمستحبات للفوز بنيل الرغبات وعدم الوقوع في المحذورات ، وبئس التلعات ..
2- الخوف العقلي :وهو خوف الأحرار من المولى جل وعلا..كخوف أمير المؤمنين عليه السلام حينما يقول في دعاء كميل : ( وهبني يا إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك  )(2) فبهذه الحالة العبادية و هذه الكيفية يتحقق الخوف الحر ، و يحصل البر..
فهــو الـذي قـال: ( عبدتك لا خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك ، و لكني رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك ..) .
فعلى العبد أن ينظر متفكرا في نفسه ، هل أن عبادته و صلاته ناتجة لخوف من الرب الجليل من عقابه بالويل ؟؟! أم هي خوف من الخسارة  وكساد التجارة ؟؟!أم أنها محضة لا تقبل القسمين السابقين ؟؟! أي أنه لو لم يكن هناك مبدأ الثواب و العقاب هل كان هذا المكلف سيتعبد شاكرا للمولى جل و علا؟؟! أرجو أن يكون المكلف صريحا مع نفسه في هذه الأسئلة، كي يستفيد من جميع الأمثلة ، و يطور نفسه لبلوغ  أعلى و أرقى معاني العبادة الممتثلة ..
فالميزان العام المتكون في النفسية على البديهة ( إن الإيمان يزيد بزيادة الخوف و ينقص بنقصانه ) ، فهو المربي العام و المغذي الأمثل لروحية المسلم و المؤمن .. كما أنه يستحب للمؤمن أن يستمع و يقرأ ويتابع أخبار الخائفين بل و يجالسهم إن أمكن كي يستقي من فيوض تعاليمهم .. كالصحابي الجليل أويس القرني رحمه الله  .. وغيره..
و الفقهاء قد أفتونا مأجورين في الخوف أن منه ما هو محرم ، كالخوف الذي يوصل العبد لدرجة القنوط و اليأس من  رحمة الله سبحانه و تعالى ، فهو الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء .. و الخوف المستحب هو الذي يدفع العبد للامتثال حتى في أداء المستحبات و الأذكار و عدم نسيان العبادة في أي وقت من الأوقات .. و أما الخوف الواجب فهو كالخوف الحسي الذي مر ذكره سالفا ، أي الخوف الذي يدفع العبد لأداء الفرائض و عدم التخلف عنها ، أي أ،ه الرادع العام في نفسية المسلم الملتزم بالتعاليم  الإسلامية ..
هل الخوف من الله ضعف في الشخصية ؟؟!

قال الإمام الصادق عليه السلام: ( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، و من لم يخف الله أخافه الله من  كل شيء ..).
التحليل و الإيضاح : قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم :[إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ](2) و في مورد آخر :[أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ]

مما يدل على أن التعلق بالمولى جل و علا  هي الجهة التي يتعلق بها كل قوي و ضعيف و الجهة التي يتضرع لها في الشدائد كل وضيع و شريف تخلق للعباد طمأنينة عن كل ما سواه .. فحينما يشعر العبد بتسديد المولى له تنبع طمأنينة العبد من خوفه من خوفه من الله و إيمانه به عمن سواه فلا يخشى غير الله .. وهذا مما يعد قوة في الشخصية لا ضعف .. بل هذه هي القوة بعينها كامنة بين جوانح القلب المؤمن بالله سبحانه وتعالى ..

كيفية الخوف ..

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : (خف الله و كأنك تراه ، فإن كنت   لا تراه فإنه يراك ، و إن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم  أنه يراك و برزت له  بالمعصية ، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك )..
الشعور العام بوجود الرقيب ، والامتثال النفسي بطاعة الحبيب المجيب، يخلقان للإنسان جوا من الانقياد و الشعور بلذة العبودية خصوصا حين الشعور بالسعي الإيجابي نحو المثالية.. فعليه يكون العبد ساعيا لمرضاة ربه مبرهنا على صدق دعوى حبه .. مريحا لضميره و لبه .. فكلما أدرك الإنسان الوهن في إيمانه و التكاسل في أداء فرائضه ، أو نوافله إن كان معتادا عليها ..فعليه بقراءة آيات الزجر و التخويف ليندفع منطلقا تجاه العبادة الحقة ، مسترسلا يلف حوله سلاسل رقه ، معترفا و مقرا له بالطاعة و التقصير .. و إما رأى نفسه قد يأست من رحمة الله أو قنطت من مغفرة المولى فليسارع نحو قراءة آيات الرحمة و المغفرة ليساوي ميزانه نحو الحالة العادلة و ذلك هو الرجاء الذي سيأتي الكلام عليه ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*