التنبيهات القرآنية في البطولة الحسينية ..التسليم لله سبحانه..

image_pdfimage_print

في كتاب مقتل الحسين ( ع ) لابي مخنف :
ان الحسين عليه السلام بعد أن بلغه قتل مسلم وهاني ونزوله بالعقبة قال له بعض من حضرنا : فانشدك الله الا ما رجعت ،فوالله ما تقدم الا على أطراف الاسنة وحرارات السيوف ،
وان هؤلاء القوم الذين بعثوا اليك لو كان فيهم صلاح ، لكفوك مؤنة الحرب والقتال ، وطيبوا لك الطريق ، ولكان الوصول اليهم رأيا سديدا ، فالرأي عندنا ان ترجع عنهم ولا تقدم عليهم ،
فقال له الحسين عليه السلام : صدقت ياعبدالله فيما تقول ولكن ليقضي الله امرا كان مفعولا..
وهذه الآية كثيرا ما تمر علينا في القرآن الكريم ولكنها تشربت في نفس الحسين عليه السلام بمستواه الإمامي وعلو منزلته السامية.. فتراه لا يركن للعقل الشخصي أمام المصير الفدائي
الذي كتبه الله له بتخطيط المولى جل وعلا اللا محدود _ولا يدركه العقل البشري المحدود_ وأخبره به جده رسول الله صلى الله عليه وآله..
كثير من المواقف السياسية عبر التأريخ تسببت بتحول الصراع المبدئي من أجل الحق إلى فنون قتالية عسكرية مجردة عن كل تلك المباديء التي صورع من أجلها أصلا..وفي تلك الحالة
ينجح العدو الظالم بإعلامه إلى حرف القضية المبدأية إلى قوانين الصراع العسكري المعروفة.. فتتحول الأنظار للهدف الجديد المستحدث في المواقف المتبلورة والمترددة عبر ذبذبات
معطيات القضايا العامة والخاصة الدينية والدنيوية.. وهذا ما يحصل الآن في سياسات الدول فيما بينها..
ولكن حينما يجعل الحسين عليه السلام القضية نصب عينيه يدافع بكل ما أوتي من قوة لهدف رئيسي وهو رضا الله سبحانه وتعالى وهدف متمخض عنه وهو تحقيق النصر للهوية الدينية
التي ناضل من أجلها حينما لم يكن غيره يتكلم عن الدين ورضا المولى جل وعلا.. نعم لو لاحظنا التأريخ لوجدنا ثورات متعددة هنا وهناك ولكن لن نجد الهدف نفسه وإنما أهدافا قد تكون
سياسية أو عسكرية أو أو أو….
فخروج الحسين عليه السلام ليقضي الله أمرا كان مفعولا .. والأمر هو النتيجة العاشورائية من الذبح والسبي وحمل الرؤوس ..الخ وهو يعلمها يعطينا درسا واضح المعالم في
تحصيل طاعة المولى في مثل هذه المواقف بكيفياتها الخاصة .. فقد استند على رواية نبوية هو من أحد رواتها وانطلق منبعثا لأمر الله جل وعلا..
في ارشاد المفيد رحمه الله في مقتل الحسين:
فسار الحسين عليه السلام إلى مكة وهو يقرأ ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ) ولزم الطريق الاعظم فقال له أهل بيته : لو تنكبت الطريق الاعظم كما
صنع ابن الزبير لئلا يلحق الطلب فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضى الله ماهو قاض ، ولما دخل الحسين عليه السلام مكة كان دخوله اليها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها
وهو يقول : ( ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل ) .
وهذا درس في التعامل مع المصائب بأحراز قرآنية أصيلة والشعور بها.. وقد كان الحسين عليه السلام متمثلا بموسى عليه السلام حيث خرج من المدينة مترقبا.. وأما عن طلب
النجاة من المولى جل وعلا حين الخطر فهو واجب على كل مسلم ومسلمة للخلاص بغض النظر عن كونه طبيعة بشرية لغير المسلم أيضا حيث وردت الكثير من الحكايات عن الكفار أنهم
يدعون قوة خفية واحدة لإنقاذهم حيث تتجلى لهم تلك القوة حين الخطر..وقد قال تعالى في محكم كتابه: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ..
وعلى هذا فالتوجه لله بهذه الآية أيها الحسنيون منجي _ فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين_ فقد تلاها سيدنا ومولانا الحسين عليه السلام في حال الخطر..
وإذا وصلتم للمكان المطلوب إتلوا قوله تعالى : ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى ان يهدينى سواء السبيل..
وهكذا نتعلم أن نكون قرآنيين في حياتنا حيث أن القرآن الكريم يحرك عجلة الحياة نحو النجاة والسمو والتطوير الذاتي والروحي
شذرات من الآيات القرآنية نطقها الحسين عليه السلام في مواقفه البطولية..
يعرف الشخص المطبق للشريعة بمدى التزامه بها وبمقولاتها وبالكلام المقدس النابع من منابعها ،كما يعرف ابن الدواوين بالاشعار والامثال الشعبية ولكل بيئته الخاصة به.. ومن ها
المنطلق نستعرض بعض الآيات القرآنية التي قرأها سيدنا ومولانا في مواقفه البطولية المقدسة..
في كتاب مقتل الحسين ( ع ) لابى مخنف ان الحسين عليه السلام قام يتمشى إلى عبيد الله بن الحر الجعفى وهو في فسطاطه حتى دخل عليه وسلم عليه ، فقالم اليه ابن الحر وأخلى له
المجلس ، فجلس ودعاه إلى نصرته فقال عبيد الله بن الحر : والله ما خرجت من الكوفة الا مخافة أن تدخلها ، ولا اقاتل معك ، ولو قاتلت لكنت أول مقتول ،ولكن هذا سيفى وفرسى
فخذهما ، فأعرض عنه بوجهه فقال : اذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في مالك ” وما كنت متخذ المضلين عضدا ” .
وهذا يدل على أن التخاذل عن نصرة الدين ضلال بلسان الحسين عليه السلام ولا داعي لقبول المتخاذلين في النصرة الحسينية..
في ارشاد المفيد رحمه الله في مقتل الحسين عليه السلام : ان الحسين عليه السلام مشى إلى مسلم بن عوسجة لما صرع فاذا به رمق فقال : رحمك الله يا مسلم ( فمنهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .
في كتاب مقتل الحسين لابى مخنف ان الحسين عليه السلام لما أخبر بقتل رسوله عبدالله بن يقطر تغرغرت عينه بالدموع وفاضت على خديه ثم قال : ( ومنهم من قضى نحبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .
في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ان اصحاب الحسين عليه السلام بكربلاء كانوا كل من أراد الخروج ودع الحسين عليه السلام وقال : السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه :
وعليك السلام ونحن خلفك ويقرأ ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) .
وكذلك أن هذه الآية الكريمة قد تكررت كثيرا على لسان الإمام عليه السلام وأتمنى أن يكررها المؤمنون ويتذكروا واقعة الطف الأليمة التي لم يبخل فيها أصحاب الحسين عليه السلام عن
أرواحهم دون ابن رسول الله ولم يأسوا ولم يهنوا ولم ينكلوا..
مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف قال الضحاك بن عبد الله: مرت بنا خيل ابن سعد (لعنه الله) تحرسنا، وكان الحسين (عليه السلام) يقرأ: ” لا تحسبن الذين
كفروا إنما نملي لهم خير لانفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ”
بداية الإمتحان لأصحاب الحسين عليه السلام كانت واضحة المعالم وهذه الآيات تستخدم كدعاء في داخل النفس على الظالمين .. وفي مثل هذه الإمتحانات يتميز الناس ويتبين المعدن
الحقيقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*