حكمة الصوم

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

البحث عن العلة يفيد العبد بعدة نواحي مختلفة ، منها السعي جديا لتحقيق الغرض الذي وجدت من أجله العبادة، رغم أن العبد مطالب بتأدية الأمر بالعمل العبادي و تنفيذه ، و لكن العارف خير     من العابد الجاهل الخائف من النار فحسب ، فلذيذ العبادة يحرز   بالمعرفة الحقة لها ، ليصنف العبد نفسه من العباد الأحرار أو التجار أو العبيد كيفما اتفقت نفسيته ، و كيفما يستطيع ..
لذا فقد سعى أصحاب الأئمة الهداة  عليهم السلام لتحصيل العلوم منهم حول ما هو مثل هذا الصدد ، و لأهمية الأمر المفرطة تكررت الأسئلة بألفاظ و أساليب و توسعات و زوايا مختلفة ، و كانت الردود تتباين حسب تباين الأمر المعني منهم ..
فعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حينما سئل عن علة الصوم قال عليه السلام : ( لعرفان مس الجوع و العطش ، ليكون العبد ذليلا مستكينا ، مأجورا  محتسبا صابرا ، و يكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة ، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ، واعظا له في العاجل ، دليلا على الآجل،  ليعلم شدة مبلغ ذلك  من أهل الفقر و المسكنة في الدنيا و الآخرة ..)(1)  .
فضراوة  الجوع و العطش تمس الإنسان بأمرين ، أولهما : الشعور في الدنيا بحاجة المحتاجين ، ثانيهما : الشعور بعطش و جوع الآخرة ، و الحكمة الواضحة منهما تجعلهما واجبين مقدسين إلى  البشرية ، لتحقيق التكافل و تحسين الأخلاق الشخصية ..
أما الفوائد الأخرى  التي اكتشفها العلم الحديث فإنها قطرة   من بحار علم العلام  جل جلاله  ذو العقل اللامحدود ، ففي الصوم حكم و   ليس حكمة واحدة ، بل إن ما أدركناه منه بعقولنا المحدودة أقل من القليل ..

التهيؤ النفسي للدخول في عبادة الصوم

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

لو أمرنا أي إنسان ليصبح فنانا في مجال ما سيطالبنا بلا شك و  لا ريب بتعريفه بما نريده من أهداف بعدها ، سيطالبنا بتعريفه و     تفهيمه أنواع الصناعات التي تمت بصلة لهذا الطلب ، و إلا فإن عمله سيكون منهوكا و ضعيفا ، بل  سيفتقر إلى جوانب عديدة بسبب قلة معرفته للهدف المنشود ..فلذا ، قبل أن يتقدم العبد في خطواته إلى   الرب لمناجاته فعليه أن يعرف على الغالب بما هو بالعموم مطالب ..

فلهذا السبب قد بين أهل البيت عليهم السلام أنواع الصوم بالروايات العديدة التي حملت عناوينا مختلفة ، كعنوان صوم   الجوارح للنواحي الأخلاقية و الصوم بأنواعه الفقهية حسب وروده في الأحكام      الشرعية ..

                         v   أما عن الواجب منه:

                          ¨     صوم شهر رمضان..

                          ¨     صيام شهرين متتابعين في القتل الخطأ لمن لم يجد العتق.

                          ¨     صيام شهرين متتابعين في كفارة الظهار لمن لم يجد العتق.

                          ¨     و صيام ثلاثة أيام كفارة لليمين لمن لم يجد الإطعام .

                          ¨     صيام أذى حلق الرأس في الحج .

                          ¨     صيام دم المتعة لمن لم يجد الهدي في الحج.

                          ¨     صيام جزاء الصيد في الحج .

                          ¨     صيام النذر و العهد و شبهه .

                          ¨     صوم الاعتكاف.

       v     الصوم المحرم :

                          ¨     صوم  عيد الفطر.

                          ¨     صوم عيد الأضحى .

                          ¨     صوم ثلاثة أيام التشريق .

                          ¨     صوم الوصال .

                          ¨     صوم الصمت .

                          ¨     صوم نذر المعصية.

                          ¨     صوم الدهر .

                         v   الصوم المخير صاحبه فيه (المستحب):

                          ¨      صوم أيام الجمعة(1).. و الخميس و.. الاثنين .

                          ¨     صوم أيام البيض

                          ¨     صوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان .

                          ¨     صوم يوم عرفة ..

                          ¨     و غيرهم .. لأن المستحبات كثيرة و يتعذر حصرها ..

                          v     صوم الإذن :

                          ¨     صوم المرأة  تطوعا يكون بإذن الزوج .

                          ¨     صوم العبد تطوعا يكون بإذن سيده .

                          ¨     صوم الضيف تطوعا لا يكون إلا بإذن صاحبه .

                          v     صوم التأديب :

                          ¨     كتمرين الصبي على الصوم .

                          ¨     من أفطر لعلة في أول النهار ثم عوفي بقية يومه ، فهو مأمور بالإمساك بقية يومه.

                          ¨     المسافر إن أفطر أول النهار ثم دخل  مصره أمسك بقية    يومه .

وكل ما مر من الفقهيات على المكلف فيها الرجوع إلى    الرسائل العملية ، أما عن المورد الذي نحن فيه فمعرفة أنواعه    الأخلاقية لتحقيق جودة العبادة ، و محاولة التشبه بأهل البيت عليهم السلام  في صيامهم لنحشر مع شيعتهم  ..

فما هو الوارد عنهم عليهم السلام أن الصوم صوم الجوارح كلها  لا ترك الأكل و الشرب خاصة ،فالعين تصوم ، و الأذن تصوم و اللسان يصوم .. وغيرهم من الحواس و الجوارح ، و هذا ما يسمى بتوجيه الحواس و العواطف إلى وجهتها الصحيحة ، وهو تعويد على المحاسن الأخلاقية  لغير أيام الشهر الكريم ، كما أنه خلق للإرادة النفسية  الدافعة نحو نيل المكارم ، فلو تعودت العين على ترك ما حرم          المولى جل جلاله، وغيرها من الجوارح شهرا كاملا فإنها تتطبع بذلك ؛ فالوارد أنه   >من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم <  ، وعلماء   النفس يقولون  بأن العادة إن تكررت شهرا واحدا أصبحت طبعا و انغرست  في الطبيعة ، فلذلك ركز الآل الكرام uعلى ضبط    الجوانب النفسية  و الحسية وغيرها لتأديب شيعتهم  عليهم السلام    ..

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : >  كم من صائم ليس له من صيامه   إلا الجوع  و العطش .. < (1)  ..ليدلل على أن الصوم صوم   الجوارح لا ترك الشرب و الأكل خاصة ..فإذا رأى العبد في نفسه  القدرة على السيطرة النفسية فليعلم بأنه قد  أصبح جاهزا للدخول في عبادة شهر رمضان المبارك بنجاح  و يمكن أن يحرز فيه الموفقية ..  فالإمام السجاد عليه السلام قال في رسالة الحقوق: >  و حق الصوم أن تعلم أنه  حجاب فرضه الله على لسانك و بصرك و بطنك و فرجك ، ليسترك   به من النار <(2) ..كما أنه قد بين النسبة في قبول الصوم من العباد حيث قال عليه السلام :> وقد جعل الله على كل جارحة حقا    للصيام ، فمن أدى حقها كان صائما ، و من ترك شيئا منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها .< (3). ليأمرنا بكف الجوارح عن  المعاصي في الشهر الكريم احتراما و تأدبا ..وفي غيره طبعا ، و   لكن التعويد  بدافع أداء فريضة الصيام يجعلنا نتطبع بهذه الآداب في غيره من  الشهور ..

فبقدر ما يصون العبد نفسه في هذا الشهر الكريم يحصل على الفضل و الثواب ، و بقدر ما يهمل أو يجهل يخسر الأجر و الثواب ، فالأمر أشبه بميزان الخشوع في الصلاة ،كلما ازداد العبد من الخشوع و التذلل في صلاته كثر   الأجر، و الصوم يزيد أجره كلما ازدادت  جارحة بالصيام و ألحقت بمقياس السيطرة النفسية في الإرادات    العبادية ..



(1) منهاج الصالحين ، مسألة (1065 )  ، كتاب الصوم ..جامع الأحكام الشرعية ، صفحة ( 150 ) في أقسام الصوم .. و صوم يوم الجمعة من المشهورات عند علمائنا الأعلام إستحبابيته ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله   : > من صام يوم الجمعة  محتسبا فكأنما صام بين الجمعتين  < ، وقد عقب المجلسي  في البحار في الجزء  97 ، رواية 7 ، باب 64 ،  قائلا : ( و لكن لا يخص يوم الجمعة بالصوم وحده إلا أن يصوم معه غيره ، قبله   أو بعده لأن الرسول نهى أن يخص يوم الجمعة بالصوم من بين الأيام ) فلهذا من الأفضل الرجوع إلى المراجع الكرام و الرسالة العملية الخاصة بالمرجع الذي يقلده المكلفون لاتباع رأيهم في ما اختلف من الأحكام ..

(3)  بحار الأنوار ، الجزء 96 ، رواية 13 ، باب 36 .

فكرة مهمة للعباد

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

 إن القيام بأداء العبادة يتطلب النظر في أمور عديدة ، منها الزمان و المكان و الكيفية ، و الكمية؛ أما عن الزمان فهو الوقت  المناسب الذي يتناسب مع العبادة المعينة ، فإننا لا نصوم يوم عاشوراء باعتبار عدم المناسبة من ناحية أن الصوم لا يكون إلا للأفراح كما  سيأتي بعونه تعالى ، أما عن المكان فإنه الموضع المبارك الذي   يتناسب مع العبادة المعينة ، فزيارة الحسينu في حرمه أفضل طبعا  من زيارته من بعيد ..أما عن الكيفيات فإنها الدروس المهمة التي نستقيها من     الآل الهداة عليهم السلام.. وكلما ذكر سيأتي الحديث عنه بإذنه تعالى ، و   البديهة العقلية تحكم بأفضلية الإكثار من العبادات مع عدم تعارضها   مع أداء الواجبات ..

إن العبادات بشتى أنواعها تتداخل في فضلها في بعضها   البعض محدثة أنوارها على أنوارها لتنير القلب المؤمن المؤدي لها ، فقراءة  القرآن للعبد و هو صائم خير من كونه فاطرا ، و الصلاة    كذلك ؛ كما  أن القراءة في الصلاة و العبد صائم أفضل من الحالتين..   و هكذا ..و الفضل مرتبط بالحال .. أما لو كان   الحال في شهر    رمضان المبارك فهو مطالب بالصوم  و العبادات تتداخل في بعضها فتحصل البركة المنشودة و المطلوبة، و الفضل مرتبط بالزمن ..أما عن الصوم أو قراءة القرآن  أو غيرهما في المساجد فالفضل مرتبط بالمكان.. و هكذا..

كما  أن زيارة الحسين في ليلة النصف من شعبان تختلف عن زيارته ليلة أو يوم  الأربعين .. فالفضل مرتبط بالزمان و المكان معا ..   و هكذا.

فالعبد المؤدي لعبادة الصيام إن أدرك هذا الأمر سيعرف    حتما كيفية أدائه بالجودة المنشودة خصوصا حينما يتعامل مع المكونات من وقت أو مكان أو كيف أو كم ، و لكن عليه الاستفسار من العلماء     كي لا يقع في محذورات يستحق عليها الهجاء ..

مقترحات لتحقيق السيطرة الروحية و تنظيفها

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

من المتعارف عند علماء الأخلاق و المربين أن السلطة على النفس لا تقوى إلا بقوة عامل العفة في النفسية الإنسانية ؛ و ذلك لا يكون إلا بتوجيه العواطف إلى جوانبها الصحيحة و جهاتها المطلوبة ، فالنفس لا تأمر بالسوء إلا بعد انحراف اتجاهات العواطف الكامنة بداخلنا إلى غير الجهة التي خلقت لأجلها ..
فالخطوة الأولى لترتيب محركات النفس و تصحيحها ، و هي الخطوة  التي تتخذ الإجراءات فعليا لتنظيم العواطف ، فطرق الخير معروفة ، كالصدق و التصدق و الصداقة ..وغيرها ..أما عن الحقد و البغض و الحسد و الغضب و العصبية ..وغيرها ..فتوجه إلى أعداء الدين أو العاصين ؛ فمثلا: نحقد على عدو  الله المجاهر و نبغضه ، و لا داعي لحسده لأنه باع آخرته لدنياه ، فهو المحتاج  لأن يحسدنا على إسلامنا ،ونغضب لدين الله إن حورب ، و العصبية تشد رباط    الحماس في ساحات القتال الجهادية، و الطمع يكون لخلق دافع السعي لنيل ما هو مستحب عند المولى جل و علا …وهكذا ..فحينما نتطبع  بهذا التوجيه نتعود عليه، فتنتظم حركة المشاعر في دروبها السالكة و تنهض النفس لأن تكون سالكة ، و نكون قد هيأناها فعلا للدخول في قابلية فهم و تطبيق العفة ..
و الخطوة الثانية تكون نحو فهم و تحقيق العفة (الورع و الوازع النفسي) .. وذاك يتحقق بثلاث مراحل :
    الابتعاد عن الأمور التي من شأنها أن تدفعنا للحرام سيكولوجيا(نفسيا):
و مداخلها الحواس الخمس عند البشر ، كالنظر و  الشم و   اللمس و الذوق و السمع ، فهي من مقدمات الإقدام بخلق الدوافع    من نسيج الأوهام تجاه المعصية ، فبمدى قوة إثارتها تحصل ردة الفعل كما يقول علماء النفس المعاصرون و المتأخرون ، و هذه الردة الفعلية تكون الدافع المعنوي لعدم التورع عن المعصية ..
    الابتعاد عن الأمور التي من شأنها أن تدفعنا للحرام  فسيولوجيا (طبيعيا):
و ذلك عن طريق الغذاء مثلا .. فمنه ما يهيج الشعور الجنسي بسبب مكوناته المهيجة للجهاز التناسلي و محركاته (أي بسبب          نوعه )، و منه ما يقوم بنفس الدور لو تناوله البشر بكمية معينة فما أكثر(أي بسبب الكمية ) ..و الأعزب أدرى بحاله ، فلقاء هذا عليه أن  لا يتناول ما يتمكن من تهييجه و بالتالي يؤدي به -بعد خلق          الدافع -إلى اقتراف جريمة الزنا و المستجار بالله، هذا على سبيل      المثال .. و يجازي المولى عبده على صبره و على ما يشابه هذا الأمر إن كانت نيته لطاعة المولى متجهة كالمريض الذي يشرب الدواء ليتقوى   على عبادة الله بعد شفائه ..
    إيجاد البدائل ..
فإن زاد الأمر سوءا و ضاق ذرعا ، عليه أن يسعى  لإيجاد البديل المحلل ، فإن المولى جل و علا لم يحرم أمرا إلا و قد أوجد عنه بديلا ؛ فالزنا  بديله الزواج بأنواعه ، و حرمة الغناء بديلها حلية  الأناشيد و سماع الآيات القرآنية ..وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة .
و هكذا فإن الإنسان يحاصر نفسه الأمارة بالسوء بقطع    الأغذية التي  تقويها و منع تأثير الأسلحة المعنوية فيه من جراء المواقف الحياتية العامة ..
تحقيق العفة بشكل عام من ضروريات خلق الإرادة ، فقد يكون الأمر صعبا في بداية المطاف ، و لكنه أشبه بترويض الحصان ؛   فإنه يقاوم و يقاوم حتى يعجز و ينزل عند رغبة صاحبه ، و يأتمر  منصاعا لمطالبه ، و ليس الصيام   وحده يحتاج لهذه الإرادة و إنما     جميع العبادات ؛ و لكن على العبد أن يتعلم كيفية خلقها من الصيام ..
    نصب نفسك عدوا للشيطان :
إن الشعور بالعداوة و البغضاء تجاه كل عدو من أعداء الله توجيه   صحيح لما خلقت له العاطفة ، لأن هذه البغضاء تخلق في   النفس دافعا لقطع سبيل كل ما يسر العدو المبغوض، و عدم تحمل شماتته ، فالشيطان بشكل عام يشمت بالمؤمن إذا زلت قدمه و باع   قيمه ، و تحديه إلى المولى جل و علا باق إلى يوم الحشر حيث قال :       لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ حيث رد (لع):      إِلاَّ عِبَادَكَ مِنـهُمْ الْمُخْلَصِينَ ، فعلى المؤمن أن يحدد موقعه ، مع من هو؟؟!  فإننا لا نترك الشيطان يتربص بنا الدوائر بل يجب      علينا أن نتربص به و نعكس الحال إلى ما هو أفضل من الحال ،وقد   فكر أصحاب الأئمة بنفس الفكرة أو ما يشابهها ، فلذلك قال لهم  الإمام جعفر الصادقعليه السلام: عن النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابه :   ألا أخبركم   بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من   المغرب ؟ قالوا: بلى ، قال : الصوم يسود وجهه ، و الصدقة تكسر ظهره ، و الحب في الله و المؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره   ، و الاستغفار يقطع وتينه   (1)..
ففي الشهر الكريم هناك ميزات خاصة حيث تفضل المولى   على عباده ليحميهم من شر الشيطان الرجيم ، حيث قد ورد عن   الرضا  عن آبائه عليهم السلام : قال : قال رسول الله  : صلى الله عليه وآله في أول   يوم من شهر رمضان تغل مردة   الشياطين  ، و هذا تسديد من المولى جل و علا للعباد كي ينجزوا عباداتهم  بالسبل الأفضل، فيصبح الأمر أسهل حالا كي يسيطر العبد على نفسه بضغوط   أقل ..

لفتة حول السيطرة الضرورية

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

من الواضح أن كبح جماح النفس لا يكون إلا بمعرفة   مداخلها و مخارجها ، و منى يمتعها أو يزعجها ، و ما ينبغي و ما لا  ينبغي ، و ما يمكن و  ما لا يمكن ، و كلها مناطة بمعرفتها للإنسان        نفسه .. لأنه أدرى بها و أبصر بما يخصه، فهو على نفسه بصير ..
فالنفس محاطة بحدود أسوار القدرات ، تحبس في مداخلها  مدى إمكانيات الشهوات ، تفيض على جنباتها أنواع الدوافع من    قويها أو ضعيفها و مهملها و محملها ، حيث تسبح على فيوضاتها الأحلام و تتفشى في هوائها الأوهام ، و  تحمل غيرها من الصفات المعقدة ، و الأفكار و المبادئ المشيدة ..
لذا كان لزاما على العبد أن يتفكر فيها ، و يعرف كيف   يحتويها ، حتى يدير دفة الاستبصار و الاستغفار حينما تقف في طريقه معترضة دكة الأوزار ..فالمرء يجلس لساعات طوال بين يدي حلاق  ماهر ، و يقضي شطرا من الوقت في حمام السباحة ، و ينفق المال   الذي شقي من أجل نيله و تعب على جميل  الملبس و غيرها             من الكماليات المزينة ، ليبدو بالمظهر الجميل اللائق أمام   جماهير  الناس من عوام أو خواص ..و المرأة تتحمل الأعباء الأكثر من أجل  جمال المظهر ، و لو يطرح   السؤال يريد أجوبة بلا انفعال، وهو :  أليس من   مبادئ الشخص النظيف  أن يضيف مع التنظيف الخارجي روحه؟!

دورة في أسرار الصيام/ المقدمة

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

إن احتياج الإنسان إلى التربية الروحية شيء متعارف عند  علماء النفس و خبراء التربية ، و إدراكهم إلى أن كونها عملية أجدى بإنتاجها من كونها نظرية محضة يقلبها النقل و يفندها العقل شيء   بديهي كذلك .. فهذه الفكرة ليست بمنزلة المجهولة النكرة في محاور   الفكر و العقل الإنساني المحدود ، فما بال العقل اللامحدود الذي أتقن صنع الموجود في الوجود و الوجود ، ألا يسن هذا المشرع علي عباده   ما ينظمهم و يسيرهم إلى طريق النجاة بشتى النواحي التي تشمل الأخلاقيات و الاجتماعيات و العبادات و الصحة ..و غيره مما تدركه عقولنا بمحدودياتها و مما لا تدركه؟!!
فلو نظرنا إلى معتقدات الأديان لوجدنا كل هذا معنونا في إطارات العبادة ، و لرأينا العباد إلى هذه الحتميات و الأوامر منقادة ، كالزواج و التدين ..   وغيرها ..فإنها موجودة في كل مجتمع و دين ، ولكن تفعيلها  و تطبيقها يختلف  من مجتمع لآخر أو دين لآخر .. و   لكن تشابه العناوين و الأهداف يدل على الإدراك لأهميتها في المجتمع المتحضر و لو قليلا ..
فالخالق المنزل للكتب الأربعة السماوية قد شرع بأديانها   العبادة بشتى أنواعها و لكنها تشابهت من حيث العناوين و الأهداف ، و اختلفت من حيث التطبيق و الأوصاف نظرا لما تعرضت إليه الأديان من تحريف باستثناء الدين الإسلامي المتكامل بكتابه الذي هو   فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ    ..
فكانت المدرسة المحمدية هادية و هادفة حينما عجت بالأعمال العبادية المربية ، فأصبحت ترتب الفرد شخصيا و المجتمع ؛ أي   أصبحت تصلح اللبنة الاجتماعية للحصول على البنيان المرصوص ..  بل جعلت للفرد منها كيانا و  مكانة تفوق المقدسات الإسلامية كالبيت الحرام باعتباره قد خلق ليعبد و هذه المقدسات لأجل عبادته خلقت و هذا لا يتنافى مع قداستها كما هو الواضح الجلي ..
فالحفاظ على هذا الفرد يتطلب توعية في الأمور البسيطة و   أمرا نافذ المفعول  في الأمور الأخرى أو نهيا واضح القول لحمايته من الشرور.. وغيرها من الضوابط الشرعية..فلهذه الأسباب و غيرها قد شرعت العبادات ؛ كما أنه قد أمر العباد بتفهم هذا الأمر ليؤدوه    بقناعة تتمخض منها الجودة و يحس حينها بأن للعبادة أحلى لذة ، فالصلاة بلا خواطرها المخاطبة و مشاعرها  التي مع معانيها متناسبة و بلا تأدية أو تحقيق لأهدافها تصبح كأنشودة بحركاتها الخاصة يفعلها المصلي في وقت يخصها ، فلا تنهى عن الفحشاء و لا المنكر ! و الزكاة    و الحج و الصيام كذلك ..
فما عقد البحث لأجله ، و ما كان الأمل لتحصيله هو الاستفادة من معرفة أسرار الصوم لتأديته على الوجه الصحيح و    تحقيق الأمل الناجح .. فمن معرفة الهدف تنبع المعرفة الفنية لأداء  فريضة الصوم و يحصل التطور فيه ..
لم يكن يريد المولى جل وعلا- الذي  هو على عبده أحن من قلب أمه – أن يتعب العبد عبثا و تلهيا ، و إنما كان الأمر تربية روحية للعبد المطيع له و  فوائد أخرى قد ندركها بعقولنا المحدودة و قد لا ؛    فما نحصل عليه من المعلومات ليس بالعلة الكلية ، و لكنها مما استطعنا الحصول عليه مما ورد عن أخبارهم عليه السلام  ..

رفع اليدين قبل التكبير

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

عن الفضل بن شاذان عن الإمام علي بن موسى الرضا  عليه السلام قال : إنما ترفع اليدان بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع  فأحب الله عز وجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا و لأن في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال – و زاد في العلل – و القصد لأن الفرض من الذكر إنما هو الاستفتاح ، و كل سنة إنما تؤدى على جهة الفرض ، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدى الفرض ..
فرفع اليدين  بجانب كونه ضربا من التبتل و الخشوع هو ضرب من التعظيم و التضرع ..فالتنبيه الذي يجب أن يذكر هو أن التكبيرات السبع الافتتاحية يجب أن يذكر واحد منها فقط على نية اعتباره ركنا و أما الباقيات الست فهي على سبيل الاستحباب ..

النية

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : (النية أفضل من العمل) – ثم تلا قوله تعالى – [قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ]  يعني على نيته ..و عن زيد الشحام عن الصادق  عليه السلام إني سمعتك نقول : نية المؤمن خير من عمله، فكيف تكون النية خيرا من العمل ؟؟!! قال : عليه السلام لأن العمل ربما كان رياءا للمخلوقين و النية خالصة لرب العالمين ، فيعطي عز وجل على النية ما لا يعطي على العمل..
فالظاهر، بل الواضح للعيان أن النية صعبة الإحراز ، فلها مداخل كثيرة ، رغم أنها رأس الصلاة ، و لكن  الأعمال متن ركوع أو سجود أو غيرها من العبادات تكون ظاهرة للرائي فلا يحكم عليه بها ، لأن النية مخفية بين كواليس النفس المبهمة التي لا يعلمها إلا الله و القائم بالعبادة ، فهذه المعادلة الصعبة على البشر في الحكم على العمل من صلاح أو فساد ، من قبول أو عدم متروكة للمولى جل و علا ، والعبد الذي يدرك أن عمله لله أو لغيره إذ هو أدرى بحاله ، و كل هذا لأجل أن يعلم العبد أن العبادة من الخصوصيات التي بينه و بين المولى جل و علا ..

القبلة

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

من فكرة التوحيد القوية أن جعل عالم كل عليم ، وسيد العقلاء القبلة الموحدة في التوجه تجاه المولى ،بل لم يكتف بذلك ، ولم يكن كذلك فحسب ، بل جعلت هذه الجهة هي المقدسة عند المسلمين ، فلا يجوز التخلي و إخراج الفضلات و أنت متوجه لها أو مستدبرها ، بل و يستحب الدعاء و التوجه للرب باستقبالها لإحراز الاستجابة ..
فالإسلام  الأعظم رغم انقسامه إلى مذاهب مختلفة ، إلا أنه ما زال محافظا على هيكله العام من وحدة و تكاتف تجاه  أعدائه ،و ذلك بسبب وحدة المقدسات ..والتوجه جميعا في آن واحد تجاه الرب يدعون بنفس الآيات  و القراءات ..
فمن المعلومات الإسلامية تاريخيا تبديل القبلة و تحويلها من المسجد الأقصى إلى الكعبة ، و كثير من الناس تسائل عن السبب في ذلك ، فهو غير محرز لأن الذي بدل القبلة هو صاحب العقل اللامحدود و الذي   يسأل عن السبب عقليته  محدودة.. بالرغم من هذا فهناك رواية تدل على أن ذلك اختبار لنفسيات المسلمين :
عن أبي بصير ، عن أحدهما ،في قوله تعالى:(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فقلت : الله أمره أن يصلي إلى البيت المقدس ، قال :نعم ، ألا ترى أن الله سبحانه و تعالى يقول : ( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) قال : إن بني عبد الأشهل أتوهم و هم في الصلاة و قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس ، فقيل لهم إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة ، فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين..

التمهيدات

نشر على بواسطة .
image_pdfimage_print

يقول أهل الفن : انك طالـما نويت الصلاة بالوضوء لهـا فإنك منذ تلك اللحظة الآنية دخلت بها فاحم نيتك من دخول الشوائب الغريبة ، والإرادات المريبة ، وروض  نفسك للدخول في تلك اللحظات الرهيبة ، فإن حضرة المولى أقرب من حبل الوريد قريبة ، فاشتغل للحبيب بتحضير عواطفك الحبيبة ، واستحضر ذنوبك بنفسك الخاشعة الكئيبة ، فإنما يعز على العزيز من عبده عبرته و نحيبه ، فاستنهض حياءك منه كما تستحي من خطأ ترتكبه في حق من هو ذو كرامة و هيبة ..
اعلم، بأن النية كالشجرة التي تملكتها العصافير المغردة بالغناء والصفير ، و أنت تحت تلك الشجرة تود التفكر و التفكير ، فلو طردتها من تلك الشجرة عادت إليها وهي تطير ، فعليك أن تقتلع تلك الشجرة حتى تبلغ الهدوء دون أن تستطير ، فبهذا كان من اللابد منه اقتلاع الأفكار كهذه الأشجار ، حتى لا ينشغل الاستبصار ولا تنحرف الأوتار ، فما يشغلك من جوع أو عطش أو حاجة فاقضها ثم اتل الأذكار أو تقدم لرؤية جلال الملك الجبار .. فإن الرسول  صلى الله عليه وآله يقول: ” ما من عمل إلا وهو مقرون بالنية .. ” فاترك لهذا أحلامك الوردية، وتقدم إلى الله بكل جدية.
فاستعد للقاء بأحلى الحلل وتمثل بأعمال خير العمل و تقدم بخطواتك الوقورة للوضوء وأنت تبتهل ، فإنه جائز لك السرور مما أنت فيه من التوجه للجليل الأجل ، ولكن حذار من دخول الرياء والعجب حتى لا يكون من نصيبك الفشل ، فإن النية على مدارها تدور الدوائر و يحصل التوافق والتنافر ، فتمثل بسلوك السالكين ليدرجك الحبيب في الصالحين الذاكرين الخاشعين ، ( فمن أحب عمل قوم حشر معهم ) ..