مقترحات لتحقيق السيطرة الروحية و تنظيفها
من المتعارف عند علماء الأخلاق و المربين أن السلطة على النفس لا تقوى إلا بقوة عامل العفة في النفسية الإنسانية ؛ و ذلك لا يكون إلا بتوجيه العواطف إلى جوانبها الصحيحة و جهاتها المطلوبة ، فالنفس لا تأمر بالسوء إلا بعد انحراف اتجاهات العواطف الكامنة بداخلنا إلى غير الجهة التي خلقت لأجلها ..
فالخطوة الأولى لترتيب محركات النفس و تصحيحها ، و هي الخطوة التي تتخذ الإجراءات فعليا لتنظيم العواطف ، فطرق الخير معروفة ، كالصدق و التصدق و الصداقة ..وغيرها ..أما عن الحقد و البغض و الحسد و الغضب و العصبية ..وغيرها ..فتوجه إلى أعداء الدين أو العاصين ؛ فمثلا: نحقد على عدو الله المجاهر و نبغضه ، و لا داعي لحسده لأنه باع آخرته لدنياه ، فهو المحتاج لأن يحسدنا على إسلامنا ،ونغضب لدين الله إن حورب ، و العصبية تشد رباط الحماس في ساحات القتال الجهادية، و الطمع يكون لخلق دافع السعي لنيل ما هو مستحب عند المولى جل و علا …وهكذا ..فحينما نتطبع بهذا التوجيه نتعود عليه، فتنتظم حركة المشاعر في دروبها السالكة و تنهض النفس لأن تكون سالكة ، و نكون قد هيأناها فعلا للدخول في قابلية فهم و تطبيق العفة ..
و الخطوة الثانية تكون نحو فهم و تحقيق العفة (الورع و الوازع النفسي) .. وذاك يتحقق بثلاث مراحل :
الابتعاد عن الأمور التي من شأنها أن تدفعنا للحرام سيكولوجيا(نفسيا):
و مداخلها الحواس الخمس عند البشر ، كالنظر و الشم و اللمس و الذوق و السمع ، فهي من مقدمات الإقدام بخلق الدوافع من نسيج الأوهام تجاه المعصية ، فبمدى قوة إثارتها تحصل ردة الفعل كما يقول علماء النفس المعاصرون و المتأخرون ، و هذه الردة الفعلية تكون الدافع المعنوي لعدم التورع عن المعصية ..
الابتعاد عن الأمور التي من شأنها أن تدفعنا للحرام فسيولوجيا (طبيعيا):
و ذلك عن طريق الغذاء مثلا .. فمنه ما يهيج الشعور الجنسي بسبب مكوناته المهيجة للجهاز التناسلي و محركاته (أي بسبب نوعه )، و منه ما يقوم بنفس الدور لو تناوله البشر بكمية معينة فما أكثر(أي بسبب الكمية ) ..و الأعزب أدرى بحاله ، فلقاء هذا عليه أن لا يتناول ما يتمكن من تهييجه و بالتالي يؤدي به -بعد خلق الدافع -إلى اقتراف جريمة الزنا و المستجار بالله، هذا على سبيل المثال .. و يجازي المولى عبده على صبره و على ما يشابه هذا الأمر إن كانت نيته لطاعة المولى متجهة كالمريض الذي يشرب الدواء ليتقوى على عبادة الله بعد شفائه ..
إيجاد البدائل ..
فإن زاد الأمر سوءا و ضاق ذرعا ، عليه أن يسعى لإيجاد البديل المحلل ، فإن المولى جل و علا لم يحرم أمرا إلا و قد أوجد عنه بديلا ؛ فالزنا بديله الزواج بأنواعه ، و حرمة الغناء بديلها حلية الأناشيد و سماع الآيات القرآنية ..وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة .
و هكذا فإن الإنسان يحاصر نفسه الأمارة بالسوء بقطع الأغذية التي تقويها و منع تأثير الأسلحة المعنوية فيه من جراء المواقف الحياتية العامة ..
تحقيق العفة بشكل عام من ضروريات خلق الإرادة ، فقد يكون الأمر صعبا في بداية المطاف ، و لكنه أشبه بترويض الحصان ؛ فإنه يقاوم و يقاوم حتى يعجز و ينزل عند رغبة صاحبه ، و يأتمر منصاعا لمطالبه ، و ليس الصيام وحده يحتاج لهذه الإرادة و إنما جميع العبادات ؛ و لكن على العبد أن يتعلم كيفية خلقها من الصيام ..
نصب نفسك عدوا للشيطان :
إن الشعور بالعداوة و البغضاء تجاه كل عدو من أعداء الله توجيه صحيح لما خلقت له العاطفة ، لأن هذه البغضاء تخلق في النفس دافعا لقطع سبيل كل ما يسر العدو المبغوض، و عدم تحمل شماتته ، فالشيطان بشكل عام يشمت بالمؤمن إذا زلت قدمه و باع قيمه ، و تحديه إلى المولى جل و علا باق إلى يوم الحشر حيث قال : لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ حيث رد (لع): إِلاَّ عِبَادَكَ مِنـهُمْ الْمُخْلَصِينَ ، فعلى المؤمن أن يحدد موقعه ، مع من هو؟؟! فإننا لا نترك الشيطان يتربص بنا الدوائر بل يجب علينا أن نتربص به و نعكس الحال إلى ما هو أفضل من الحال ،وقد فكر أصحاب الأئمة بنفس الفكرة أو ما يشابهها ، فلذلك قال لهم الإمام جعفر الصادقعليه السلام: عن النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابه : ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا: بلى ، قال : الصوم يسود وجهه ، و الصدقة تكسر ظهره ، و الحب في الله و المؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، و الاستغفار يقطع وتينه (1)..
ففي الشهر الكريم هناك ميزات خاصة حيث تفضل المولى على عباده ليحميهم من شر الشيطان الرجيم ، حيث قد ورد عن الرضا عن آبائه عليهم السلام : قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وآله في أول يوم من شهر رمضان تغل مردة الشياطين ، و هذا تسديد من المولى جل و علا للعباد كي ينجزوا عباداتهم بالسبل الأفضل، فيصبح الأمر أسهل حالا كي يسيطر العبد على نفسه بضغوط أقل ..