حكمة الصوم
البحث عن العلة يفيد العبد بعدة نواحي مختلفة ، منها السعي جديا لتحقيق الغرض الذي وجدت من أجله العبادة، رغم أن العبد مطالب بتأدية الأمر بالعمل العبادي و تنفيذه ، و لكن العارف خير من العابد الجاهل الخائف من النار فحسب ، فلذيذ العبادة يحرز بالمعرفة الحقة لها ، ليصنف العبد نفسه من العباد الأحرار أو التجار أو العبيد كيفما اتفقت نفسيته ، و كيفما يستطيع ..
لذا فقد سعى أصحاب الأئمة الهداة عليهم السلام لتحصيل العلوم منهم حول ما هو مثل هذا الصدد ، و لأهمية الأمر المفرطة تكررت الأسئلة بألفاظ و أساليب و توسعات و زوايا مختلفة ، و كانت الردود تتباين حسب تباين الأمر المعني منهم ..
فعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حينما سئل عن علة الصوم قال عليه السلام : ( لعرفان مس الجوع و العطش ، ليكون العبد ذليلا مستكينا ، مأجورا محتسبا صابرا ، و يكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة ، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ، واعظا له في العاجل ، دليلا على الآجل، ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر و المسكنة في الدنيا و الآخرة ..)(1) .
فضراوة الجوع و العطش تمس الإنسان بأمرين ، أولهما : الشعور في الدنيا بحاجة المحتاجين ، ثانيهما : الشعور بعطش و جوع الآخرة ، و الحكمة الواضحة منهما تجعلهما واجبين مقدسين إلى البشرية ، لتحقيق التكافل و تحسين الأخلاق الشخصية ..
أما الفوائد الأخرى التي اكتشفها العلم الحديث فإنها قطرة من بحار علم العلام جل جلاله ذو العقل اللامحدود ، ففي الصوم حكم و ليس حكمة واحدة ، بل إن ما أدركناه منه بعقولنا المحدودة أقل من القليل ..