دورة في أسرار الصيام/ المقدمة

إن احتياج الإنسان إلى التربية الروحية شيء متعارف عند  علماء النفس و خبراء التربية ، و إدراكهم إلى أن كونها عملية أجدى بإنتاجها من كونها نظرية محضة يقلبها النقل و يفندها العقل شيء   بديهي كذلك .. فهذه الفكرة ليست بمنزلة المجهولة النكرة في محاور   الفكر و العقل الإنساني المحدود ، فما بال العقل اللامحدود الذي أتقن صنع الموجود في الوجود و الوجود ، ألا يسن هذا المشرع علي عباده   ما ينظمهم و يسيرهم إلى طريق النجاة بشتى النواحي التي تشمل الأخلاقيات و الاجتماعيات و العبادات و الصحة ..و غيره مما تدركه عقولنا بمحدودياتها و مما لا تدركه؟!!
فلو نظرنا إلى معتقدات الأديان لوجدنا كل هذا معنونا في إطارات العبادة ، و لرأينا العباد إلى هذه الحتميات و الأوامر منقادة ، كالزواج و التدين ..   وغيرها ..فإنها موجودة في كل مجتمع و دين ، ولكن تفعيلها  و تطبيقها يختلف  من مجتمع لآخر أو دين لآخر .. و   لكن تشابه العناوين و الأهداف يدل على الإدراك لأهميتها في المجتمع المتحضر و لو قليلا ..
فالخالق المنزل للكتب الأربعة السماوية قد شرع بأديانها   العبادة بشتى أنواعها و لكنها تشابهت من حيث العناوين و الأهداف ، و اختلفت من حيث التطبيق و الأوصاف نظرا لما تعرضت إليه الأديان من تحريف باستثناء الدين الإسلامي المتكامل بكتابه الذي هو   فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ    ..
فكانت المدرسة المحمدية هادية و هادفة حينما عجت بالأعمال العبادية المربية ، فأصبحت ترتب الفرد شخصيا و المجتمع ؛ أي   أصبحت تصلح اللبنة الاجتماعية للحصول على البنيان المرصوص ..  بل جعلت للفرد منها كيانا و  مكانة تفوق المقدسات الإسلامية كالبيت الحرام باعتباره قد خلق ليعبد و هذه المقدسات لأجل عبادته خلقت و هذا لا يتنافى مع قداستها كما هو الواضح الجلي ..
فالحفاظ على هذا الفرد يتطلب توعية في الأمور البسيطة و   أمرا نافذ المفعول  في الأمور الأخرى أو نهيا واضح القول لحمايته من الشرور.. وغيرها من الضوابط الشرعية..فلهذه الأسباب و غيرها قد شرعت العبادات ؛ كما أنه قد أمر العباد بتفهم هذا الأمر ليؤدوه    بقناعة تتمخض منها الجودة و يحس حينها بأن للعبادة أحلى لذة ، فالصلاة بلا خواطرها المخاطبة و مشاعرها  التي مع معانيها متناسبة و بلا تأدية أو تحقيق لأهدافها تصبح كأنشودة بحركاتها الخاصة يفعلها المصلي في وقت يخصها ، فلا تنهى عن الفحشاء و لا المنكر ! و الزكاة    و الحج و الصيام كذلك ..
فما عقد البحث لأجله ، و ما كان الأمل لتحصيله هو الاستفادة من معرفة أسرار الصوم لتأديته على الوجه الصحيح و    تحقيق الأمل الناجح .. فمن معرفة الهدف تنبع المعرفة الفنية لأداء  فريضة الصوم و يحصل التطور فيه ..
لم يكن يريد المولى جل وعلا- الذي  هو على عبده أحن من قلب أمه – أن يتعب العبد عبثا و تلهيا ، و إنما كان الأمر تربية روحية للعبد المطيع له و  فوائد أخرى قد ندركها بعقولنا المحدودة و قد لا ؛    فما نحصل عليه من المعلومات ليس بالعلة الكلية ، و لكنها مما استطعنا الحصول عليه مما ورد عن أخبارهم عليه السلام  ..