المصطلحات الصادرة من المرجع الديني

image_pdfimage_print

تصدر عن علمائنا الإعلام ومراجعنا العظام بعض المصطلحات العلمية التي قد يتفهمها الناس الاعتياديين بسهولة ولكنهم قد تغيب عنهم ملابسات التطبيق، ومسقطات الأحكام، وظروف الأحكام المتغيرة على وفق الظرف الزماني أو المكاني، وقد تغيب عنه سياقات الأحكام نظراً لعدم إلمامه ولو بجزئيات المسائل الكاملة أو بطريقيات الاستنباط بشكل عام..

فالشائع اليوم عند المراهقين لفظة الأعلم ويسعون لإحرازه فيقوم الأمر على نحو فوضوي كتحزير الألغاز عندهم، ويتبع الآخرون الطريقة المثلى وهو الرجوع لأهل الخبرة في هذا المجال.. فالمراهق بطبعه متأثر بفرق الرياضة ومنافسات المسابقات فتراه يتعنت ويحاول أثبات أفضيلة من يقلد والمميزات الخاصة به وكأنه قد افتنى سلعة والمستجار بالله، وكأن الآخرين ليس لهم ماله وليسوا من علماء الأمة.. ان المشكلة هي سوء الفهم لمعاني التقليد النبيلة وعدم وجود المستوعب الذي يقيم الدورات ويشرح معانيه وقضية الأعلم واشتراطه عند البعض دون البعض الآخر..

استحالة بيان الأعلم واقعياً والاختلاف العلمي في هوهويته جعل للفقهاء والمجتهدين رأيين بمعناه المتسامح فيه، فالأول اسقط ذلك الوجوب ورأى بديهية الادلة الخاصة بهذه المسألة والبعض الآخر رأى الرجوع لأهل الخبرة وتحصيل الاطمئنان بكلام المختصين الذين يطمئن إليهم..

وإعلام المكلف بأن المراجع العظام لا يفتون إلا بالدليل ويميلون حيثما يميل فيبذلون قصارى جهودهم لتحصيل الأحكام الشرعية القريبة والمطابقة لواقع الحكم، فلا يفتي بما يشتهي احد عندنا، ولا يتصرف المجتهد والمرجع الديني إلا بما يعطيه كامل التصرف الشرعي من الأدلة.. فلا يستهينن أحد بالأحكام فانها ليست وضعية ليقوم رجال القانون أو السياسة بتعديلها أو التلاعب بها.. لأنهم ببساطة شديدة ليسوا من أهل الاختصاص وليست لديهم القدرة الكافية للوصول لمجهولات الحكم الشرعي المعلومة بالأدلة الحقة النقية..

كما نلاحظ في كافة العلوم التجدد والتغيير بحسب التجربيات الملموسة،فإن الفتوى قد تتغير عند العلماء الإعلام بحسب حصولهم على الأدلة المغيبة عنهم والتفاتهم لحقائق الأحكام وقد يشكل على قولي هنا بأنني قلت في تمايز العلوم بأن الشريعة لا تتغير والعلوم متغيرة بتساقط النظريات، فكيف نقول هنا بتغير الفتاوى وتراجع العلماء فيها بالاستنباط المتجدد، أقول: ان الشريعة لم تتغير ولربما قد يتأخر الوصول للأحكام الشرعية فيعذر المولى عبده المتخصص طالما انه مستمر في أخلاصه ويوفر الأحكام الشرعية للعباد بجهده وجهاده.. بل ان هذا المجتهد متجدد في فكره ويغلظ في مراقبة التغيرات الحكمية ان تعلقت بتغير ما، فذلك مدعاة للثقة والورع والزهد..

الشريعة المتبعة تحمل أصولاً للعلماء من أئمتهم وهم يفرعون عليها، وقد قال احدهما ع علينا الأصول وعليكم الفروع..

ولو تأملنا المصطلحات الفقهية والأصولية في كتب العلماء لوجدنا فيها ما يفوق تصور الغير متخصص مما حدا بالبعض المطالبة بكتب أسهل للعمل بها، أقول: إن المكلف مطالب بالعلم الديني فيجب عليه تفهم الرسالة العملية لمن يقلد، وكذلك تعلم عقائده وتفهمها ليصح اعتقاده بها ويقوى يقينه، وليعلم المكلفون بأن تلك الرسائل العملية قد وضعها العلماء العظام بتلك اللغة لكي يعلم المتخصص مباني المرجعية وصاحب الرسالة باللغة الدقيقة حتى يتسنى له التطبيق بين العوام ونشر الأفكار بشكل خاص وعام، فلو كتبت الرسائل العملية على طريقة الجرائد والمجلات لما خلت من أخطاء علمية جسيمة وضياع المفردات الدقيقة لان اللفظ عاجز عن تحصيل المعنى المركوز في النفس، فوضع تلك المصطلحات لو دققنا ضروري لا محالة وبديهي بطبع العلوم المختلفة.. ألا ترى لان علم الطب العالمي لغته اللاتينية لمقاربتها لمعانيه مع قليل من اللغات الأخرى؟!! فاقتضاء اللغة العلمية للمصطلحات بيِّن للمتأصلين..

كما رأينا الكثير ممن يأخذون بظاهر آيات القرآن وكأنه ليس له تأويل ولا باطن دون الرجوع للمفسرين لاستبيان المدعى عندهم ومدى صحته، كما وأنهم قد يتجاوزون الأمر للفتوى الشخصية بل ويشخصون المواضيع الفقهية عبر القرآن ومعانيه الظاهرية وليتحمل من يفتي بغير علم مسؤوليته أمام الله..

وقد ظهرت في الآونة الاخيرة تشخيص مواضع العيد والهلال دون الرجوع لأهل الخبرة في المدعى مما ترك فساداً في مباني الدين، وانتقد السياسيون اختلاف العلماء في التشخيص وتدخلوا فيما هو ليس من اختصاصهم حتى طالبوا المتشرعة بالاتحاد في إعلان العيد، وكأن العيد إذا تكرر ستتفرق الأمة، فالأمة المتحدة لا تتحد بالمناسبات أكثر من اتحادها بالأصول والمضامين والمشرب، فالمرجعيات التي تبث عندها العيد تتحمل مسؤولية فتواها، والتي لم تثبت عندها لا تستطيع البت والتشريع وتجاوز الأصول الشرعية لهدف سياسي لا يهمه إلا الشكليات الخارجية أو تلك المناسبة لا تحقق له أي هدفٍ يمكن ان يدر الخير على الأمة أو ان يهزم عدواً للمسلمين، إنما العيد مناسبة دينية صرفة تتحقق فيه أهداف دينية مجردة عن الماديات ورافعة للمعنويات بعيداً عن مهاترات السياسيين الذين تدخلوا في أمورنا الاختصاصية الدينية، من لا يحب تكرار العيد على الأمة؟! اللهم اجعل أيامنا كلها أعياداً!!

فمصطلح العيد لا يقبل التكرار في السنة إلا بحسب ما شمله ولكن القادة الدينين والحكام الشرعيين لا يمكن تجاوزهم لعلمهم الاكفا بيننا لتحديد ذلك، ولكن الله سبحانه وتعالى يعذر العباد على ما لم يعلموه، فما هو أكثر من إدراك المرجع، أظنه لو استخدم أساليبه الصحيحة وأدلته النقية سيسامحه الله على ما أفتى نظراً لعلمه ورواية الرفع :رفع عن امتي ما لا يعلمون.. وذلك مختص بالمراجع العظام لان من البديهي المسلم عدم معرفة الغير متحفظين بأمور استنباط المسائل الشرعية.. فان غابت المعلومة عن العالم فقد غابت عن الأمة، ولكن العادي والغير متخصص ليس بالضروري ان يلم بالمعلومة المقصودة وهي محصلة طرق الاستنباط الشرعي..وإن أراد فعليه أن يدرس الأمور الشرعية !

ومن الخطأ الاجتماعي اعتبار العالم بالمعنى الحقيقي، أي انه يدري بكل شيء، لان العالم بهذا المعنى هو المولى جل وعلا ولا ينازعه في علمه أحد، فالعالم عندنا يخطئ ويصيب ولكنه خطأه مغفور لكونه هو المتوفر الذي يسد مسد الإمام المعصوم عليه السلام ، والعالم المرجع هو من ترجع الأمة إليه في أمورها، وما رجعت له امة واعية وعاقلة إلا لكونه اعلم الموجودين وجامعاً لشرائط الحاكم الشرعي، فلا داعي لأن يتدخل غير المتخصص في فتاواه لكونها فتوى الأعلم منه والأجدر بها..

إن تدخل العادي والغير متخصص في الفتاوى هو تصدي لعلم المرجعيات وإفتاء بغير علم، ولو أوكلت إليه المسؤولية الشرعية لتركها وهرب، فلا داعي لان يدعي الإنسان ما ليس له كما انه لا داعي لادعاء أهلية ما ليس هو أهلا له..

قد نرى كثيراً من المثقفين يناقشون العالم بمصطلحات علمية يحفظونها فيستفيدون ولكن الغريب مجادلتهم بتلك الألفاظ وكأنهم مذ عرفوها عرفوا الدين! وحين النقاش والتوضيح يصطدم العالم بكونهم لا يحفظون غيرها! وقد اخذوا بالمعنى الظاهري كالذين يناقشون في القرآن الكريم دون إدراك بواطنه؟! فعلى المثقفين الإجلاء ان يسألوا ويدققوا في حدود المصطلح نفسه وفهمه بعمق ومعرفة مدى أطراده في الاستعمالات العامة والخاصة، ليحتفظ بعمقهم الثقافي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*