إدعاء التشرع

image_pdfimage_print

كثرت في الآونة الأخير حالات المدعين للتشرع والمعرفة بأحكام الشريعة حتى اشتبه الأمر بين العالم الحقيقي والمجتهد الجامع للشرائط والمدعي لذلك، ونظراً لعدم كون العامة من الناس وسوادهم من المختصين فقد ضاعت سبلهم لمعرفة الحقيقة رغم ان الأمر هو من ابسط الأمور التي يمكن لهم من خلالها استبيان الأمر واستيضاحه..
ذهب المثقفون إلى تقييم العالم المدعي بالمقاييس الوجدانية والشخصية لتحصيل الحقيقة ولكنها غير مطردة ولا يمكن أن نعتبر بها لعدة أمور، من أهمها ان أي شخص من الأشخاص لا يستطيع الإحاطة والتقييم لأي كان إلا في مجال الاختصاص فيجب حينها ان يكون المقوم أعلى درجة أو مساوياً للمقوم – بفتح الواو – وهذا ممكن في الاختصاصات الآخر فيما لو كان الظرفان بمرحلة وسطية واحدهما، فيقوم العالي الداني، أما لو نظرنا إلى القمة في العلمية أو الاعلمية، فان الأمر يستدعي الدور والتسلسل وكلاهما باطل في كافة الأصعدة والاختصاصات..
وفي هذه الحالة يلجأ المتخصصون بنفس المجال لأهل خبرتهم والمستويات العالية لترشيح الأعلم بحسب علمه في نفس الاختصاص وتزكيته عمن سواه بحسب فطرتهم لمنطقه ودروسه ومعالم علمه، وما ذلك ألا لتنظيم الحياة بوجود القدوة والمثل الأعلى الذي يرجعون إليه في أمورهم العامة..
ما كان من المتشرعة إلا هذا الدور، فأهل الخبرة من أهل الاختصاص الذين يحضرون بتلك الدروس في بحوثهم يعرفون العلماء واستعداداتهم الفكرية التي يمكن لهم ان يعرفوا الأعلم من خلالها وهذا ما جرت العادة عليه في الحياة العامة وكافة الاختصاصات حتى أثبتت جدواها بشكل عام وخاص..
وعلى تلك القمة تصارعت مجموعات مندسة طموحها القيادة لأغراض شخصية ونفسية تتضح في التصرفات العامة..
لذلك كان الأولى الرجوع لأهل الخبرة من نفس ذلك الاختصاص ومن عرف بالتورع الواضح منهم، والموثوقين بين العلماء والعباد مع الأخذ بعين الاعتبار الرواية (ألا ان من كان من العلماء مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام ان يقلدوه)..
وقد اشتبه الكثير باعتبار الخدش ببعض ممن يدعون الإفتاء والتشريع حتى ضاعت سبل هدايتهم وكل ذلك من تقصيرهم في تحصيل التوثيق والغريب أن هؤلاء كمن قال عنهم أمير المؤمنين (ع):
فطن كل رزية في ماله
وإذا أصيب بدينه لم يشعر
لأن البعض يمحص عن الغذاء الجيد والطبيب الأفضل والرزق الأوسع ويجتهدون في محاولة إيجاده، إلا الدين فأنهم قد اتبعوا أول من رأوا، ممن يتشرق بين العوام بأفضليته على المرجعيات الدينية العليا التي يتبعها المتخصصون قبل عوام الناس.. فلو أنهم كانوا أهلاً لما يدعون لانبثقوا الادعاءات في الحوزات العلمية حيث يتميز فيها العالم بقدرته وإمكانياته الفذة وتتبين أعلميته بعيداً عن ادعاء المناظرات وألفاظ النزال التي لا تليق إلا بأهل الدنيا..
فهل ان المرجعية المستخلصة من أفذاذ الحوزة كانت خطأ كل علماء الحوزة وهو المصيب بعيداً عنها، لما لا يأتي ويطرح العلمية بمحاضراته وكتبه وبحوثه حتى تتمخض أعلميته بين أهل الاختصاص؟!
أظن ان ترقية الشرطي والطبيب والموظف ليست حقيقة ان لم تصدر من الجهات المختصة به ولا يشعر بطعمها لو صدرت بين الناس لعدم مصادقة الجهات المعنية لها وفقدانها للقيمة الحقيقية وروح الواقع..
ان ادعاءهم للاختفاء بوهم العدائية من قبل بعض الأشخاص هو بعينه طعن في أخلاقيات المجتمع والمتشرعة، فما هي دوافع العداء؟! وكيف يتصور ذلك؟! ألا ان كانت أعذارهم  نسائية المنطق كادعاء الغيرة والحسد والبغض، وذلك كله مرفوض عند العقلائيين، وليحضر لساحات العلم سيكون كل شيء بيناً، بعيداً عن مهاترات الهروب ولهجة الحروب، فالحوزات التي أنتجت العلماء لا تحارب أبناءها ولكنها ترفض الخلل لمجرد التشهي للسلطة وتمنع المتلاعب في سلطنة الدين لأنها أمانة في أعناق المرجعيات وأعلى أرواح المؤمنين أنفسهم [فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم] وهو دور من أدوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*