تبني المسؤولية الدينية

image_pdfimage_print

الدعوة للعمل الديني تفعيله شيء جميل لا يرفضه العقلاء ويفرح له المتدينون على جميع الأصعدة، فالدعم الكلي بكل ما أوتينا من قوة عملته عبادة على ما نصت عليه الآيات والروايات، بل ان العمل المناج لو ضم لنيةٍ شرعيةٍ يخول بنفس ذلك الآن عبادة للعبد أجره عليها لا محالة..
فالعمل الإسلامي الذي يشمل كل شيء كالبناء والتجارة والسياسة والهندسة والطب..الخ يتحول لعبادة كالتبليغ بالدين والدعوة للحق فأنهما بكل الحالات يحتاج فيهما للجو المناسب ثقافياً ومادياً ومعنوياً..
وكما ان الأعمال الحياتية يرجع فيها إلى رئاستها للإشراف عليها وتقويمها يحتاج رجوع الأعمال الدينية لتنقيح المرجعية ودعمها الفكري حتى يكون العمل موثقاً من الجهات المختصة به وإلا لكان العمل مرتجلاً وفارغاً من محتواه العام وقد لا يصل للأهداف المنشودة..
أقيمت في عصرنا الحالي المؤسسات والمشاريع الدينية والنشاطات حتى فاقت التصور في الإذاعات والقنوات الفضائية ليتنافس المؤمنون على أبراز معالم الدين بدعم عام من الجهات الدينية المؤمنة الفتية المجاهدة، وقد تطورت سبل الإعلام الديني للوصول إلى ذروة لغة العصر الإعلامية..
ولكن ذلك التكالب والمنافسة أدارت عجلات كثيرة أوضحت قوة إيمان الكثيرين كما أوضحت ضعف البعض الآخر، فمنهم من جعل الأمر مجرد مشروع تجاري ومنهم من استغل الأمر للدعوة إلى نفسه ومنهم من جعل الله نصب عينيه ليعمل بجد واجتهاد واضح الإخلاص..
فالمشاريع الدينية الواضحة المعالم يجب ان تتطور كما تتطور الفنون العامة وبكافة الاختصاصات الفنية، ولكن التقييد الديني الواضح والوازع الاعتقادي المتنور ضروري بدراسة الموقف الإعلامي وصنعه، فالرجوع بالسؤال الشرعي في كل أمر فني جديد هو من صميم ضروريات المذهب لكي لا يتلاعب بدقة الإعلام بحسب الخيال اللامحدود حتى لا ندخل في أطوار خيالية الدين ونسمح للخرافة بالدخول فيه مهما كلف الأمر، لان الدين الذي لا قيد فيه لا يمكنه تحديد الأمور ولا السيطرة عليها، فالقيود الدينية صمام أمان لحفظ المتدين مادياً ومعنوياً وعقائدياً ومنع استغلال عواطفه الدينية وتوجيهها لغير ما يجب أن تتوجه إليه..
فلو أخذنا مثالاً كالشعائر والمناسك العبادية وتعظيمها إعلامياً لوجدنا ان الأمر لا يتم بدون مرأى ومسمع الشريعة وبدون قيودها الشرعية العلمية، فكما قام الشعراء مدرسة الشعر الحسيني وأقام الخطباء مدرسة المنبر الحسيني اللذان يحملان البنية الحسينية الظنية المختصة بهما فكذلك لو جعلت الأناشيد واللطميات والفيديو كليب لها طريقة خاصة تحوي المصيبة أو الفكرة المربية بكيفية حسينية متخصصة تقوم بالغرض نفسه بلا أي إشكالية تتلاعب بمعاني العقيدة والتشريع تحت خيالية الفنانين أو انتاجات المخرجين..
فالمتبني للفكرة الدينية يجب ان يرجع الأساطين ومراجع الدين العظام كي لا يقع في المحذور، فالذين يرجعون للمؤرخين في الأفلام والمسلسلات التاريخية هم الموثوقين في أعمالهم وليس الذين يتبعون الخيال التأريخي، حتى الخيال الطبي مبني على بعض المعلومات من الأطباء كي ينجح العمل، هذا فيما إذا كان خيالاً أو قصة فنية بعيدة عن الواقع، أما الدين والاعتقاد فلا خيال فيه وإنما هو عمل تبليغي وتوعي وواقع في نفوس المؤمنين والمعتقدين به، فلا يمكن التلاعب به ولا يمكن ألا اعتبار الحقيقة الشرعية في منطوق العلماء وحتى استحساناتهم وتقبيحاتهم وانتقادهم لكونهم اقرب إلى الذوق الشرعي المعتمد على مباني الشريعة..
يفضل ان يتمسك بأعمال المجتمع من عرف بالصلاح والورع لكي تمنع المفسدة من الوصول للمجتمعات وتبعد المتلاعبين، ولكن يتأكد الأمر في الأعمال الدينية ويتضح لزومه كما يتأكد تدخل ذوي العلم فيه لكي لا نصل بالحال إلى سيطرة إعلامية دينية غير متدنية تدخل المجتمع في أوهام لا طائل لها..
فعلى المجتمع المتطور أن يشعر بمسؤوليته اتجاه توفير المنبر الإعلامي الصحيح إتباعه وملاحقة وردع ما هو خارج عن رقابة رجال الدين لكي يحسن الدفاع عن مبدأه وعقيدته ولا يدخل في المواقف المحرجة التي تحسب على الدين رغم أنها ليست منه..
وعليه ان يختار الأصلح في إدارة المشاريع الدينية الخيرية وغيرها كي يعصم من أخطاء مادية ومعنوية قد تجر الأخطار المحتمة عليه.. والرجوع بمواصفاتهم حسب ما يمليه عليهم المرجع الديني من صفات من يتبنى المشروع الشرعي.. بدلاً من كون الأمر أشبه بالتطوع الغير منتظم الذي يحول العمل لحالة فوضوية وفقاً لهوى المتطوع..
ان الشهرة الإعلامية ليست بأمر صعب على أيًّ كان وتحقق اليوم بالانترنيت والمواقع الشخصية كما ان القنوات الفضائية تبرز من تريد أبرازه، والإعلام اليوم قائم ومرتكز على إمكانيات المادة ومدى توافرها لدى الشخص المريد للشهرة.. فلذلك نقول بأن الاختيار للمتطوعين بحسب شهرته بالعمل والصلاح فيه بلا انفكاك بينهما لتحصيل النتائج الأفضل..
فالتخطيط الإداري العالمي معروف بكثرة الانفكاك بين المواصفات وكثرة العاملين والدوائر التي تستنزف الطاقات البشرية لمجرد فعل واحد مع استقلالية في المسؤوليات مما يضيع الفرصة في استحكام الجزئيات وضياع الماهيات الغير ملتفت إليها ولا تلحظ إلا بالعمل، كما وأن ذلك التركيب المعقد من الدوائر البشرية قد يكون دقيقاً لدرجة فوق الحاجة التي من اجلها وجدت تلك الدوائر، وأخيراً من المعروف عند العقلاء لو ركزوا على تلك الدوائر لوجدوا بأن رأس هرم كل تلك الدوائر ما هو ألا إداري يصله التشخيص الجاهز والتنقيح والتخطيط حتى يمضه ويمنعه بحسب خبرته وهذا قد يتنافى مع بعض الأدوار المهمة كالأدوار الدينية والعقائدية التي تضع المكلف بمرتبة المدير الذي يستخلص تكليفه من الخبراء..
إن هذا القول لا يقدح بالمعنى الكلي للنظام الإداري العالمي ولكنه يبين عدم أطراده في كافة مجالات الحياة العامة، والتطبيق واضح، فالتخطيط الإداري قد يمنع معالجة المريض المجهول، كما انه قد يمنع حياة إنسان رغم ان التخطيط الإداري الطبي ما وضع إلا لخدمة الإنسان، وعندنا في العراق قد يتساهل الممرضون بعلاجه بإسم (مجهول) نظراً لأهمية حياته عن ذلك الروتين الإداري، فقد ينتقد احدهم هذه الحالة ويقول هكذا تتسرب الأدوية لخارج المستشفى تحت هذا المدعى!! وكأن الذي وضع الكم البشري الهائل في تخطيط المستشفى الإداري لم يكن ليضع مراقباً موثوقاً لمثل هذه الحالات بدلاً من منع المريض من العلاج لكونه مجهولاً عنده أو عند الممرضين حتى يأتي بأوراقه الرسمية..
إن التكثر في الإعداد البشرية أمام المسؤوليات قد يعطي تفرغاً للمسئول من تعدديته وسرعة انجاز العمل ولكنه في نفس الوقت قد يعطي مجالاً للإتكالية والتسيب، كما وانه قد يعطي فرصة للتهرب تحت عنوان خروج الاختصاص عن مسؤوليته..
فلو قام أهل الاختصاص الطبي بتخطيط إداريات الطب وأهل الاختصاص ليخططوا لاختصاصهم لأنجزوا المهمة الموكلة إليهم على أفضل وجه، كما وأنهم أدرى بطبيعة البلد الذين يكونون فيه إدارياتهم، فلو كان المجتمع بدوياً ولا يطلب من المريض أية وثيقة ولو كان حضرياً فيطلب منه بحسب حضارته..
فالعمل الديني بشكل أو بآخر له تخطيطه الإداري التلقائي الذي يشكل بكيفيات المجتمع وحالاته الاجتماعية، لأنه بالإمكان فعله حتى في منزلك أو بين عائلتك أو مع نفسك في الخلوات..
وقد لاحظنا مؤخراً كثيراً من الأعمال الدينية متأثراً بالتخطيط الإداري العالمي الذي قد يذهب بروحيات الدين والعقيدة، كنشر أسماء العوائل المتعففة التي يساعدها الصندوق الخيري وأسماء المتبرعين الذي قد يسبب الرياء في المرات المقبلة.. وهكذا فقد يتبرع شخصٌ منبوذ في المجتمع لسلبيته أو سارق من اجل تحقيق الاسم والشهرة عبر الطريق الديني والإسلامي..
ونحن نكون دعاية وأعلاماً له وما وضعت الصدقات لهذا الغرض ولا الفرائض الدينية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*