تغيير المصطلحات الدينية في الغزو الغير أخلاقي

image_pdfimage_print

دائمًا ما يكون في متغيرات الجدل بين السائل والمجيب إخفاء الكُبريات من القضايا أو المهم منها لكي يتسنى للمجادل الخوض في غمار الفن واقتطاف الثمار، فمثلاً يقول: “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا”، ولا يذكر بأن “اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”؛ لأن الموت الذي يوازن الفكرة سيقلل من شأن الفكرة وهي حب الحياة على نحو متوازن وغرض المجادل أن يحيي فيك حب الدنيا لدرجة محق فكرة الآخرة من عقلك.

تلك فنون وقضايا عقلية عكف عليها أهل المدارس المذكورة سابقًا -العلمانية، الهيرومنطيقيين، متعددي الإدراك- وهكذا كانت مراميهم لهندسة السلوك الاجتماعي تحت ذرائع تطوير الذات، فاستغلوا تحت طائلة الذرائع عرضيات الانسان وما يمكن أن يطرأ عليه من جهة الرغبات، ومتطلبات الانسان بأمثلة يسعون فيها لمحق الحكم بالصحة والصواب، مثلاً: هل تود أن تصبح مليارديرا وتحقق رغباتك؟!! هل تود أن ترى امرأة حسناء تحبك؟! وهكذا ينتزع الحكم منك مشتقًا من رغباتك بعيدًا عن دينك وعن أخلاقياتك الفاضلة؛ لأن التدقيق وتسليط الضوء فيها على الدنيا بشكل ملفت وجعل الهدف من متطلبات الغريزة والعاطفة مع استغلال الخيال الذي لا يقيده شيء في رسم صورة ما في ذهنك لن تمسح كلما ضنكت عليك الحياة، فعلى هذا الضوء المسلط على الدنيا تعمى العيون عن الحقائق وسؤال مفترض وهو كيف؟؟ أحصل على ذلك من قنوات الدين؟؟

لقد حوروا كل شيء على وفق هذه الفلسفة، وهي إحياء الطلب لمتطلبات الحياة فوق الحاجة اللازمة مما حول أهل الخير في كثير من الأمور إلى سفهاء حينما يبذلون في سبيل الله، واقتضت حياتهم العامة إلى تحوير معانٍ كثيرة تصب في مصلحة دينية أو سياسية أو اجتماعية أو روحية تخدم العدو الغازي، ففي المصالح السياسية:
– غيروا معنى “أولي الأمر” من العلماء المتخصصين الذين يحكمون بشرع الله المنزل ويطبقون رسالاته إلى رؤساء عرفوا بالبذخ والترف والعنفوان، ليكون ذلك نموذجًا دينيًا في عقول الناشئة بغض النظر عن الانتقادات الموجهة إليه، فتضطرب القيادة الدينية لجعل من ليسوا أهلاً للإختصاص أهلاً لها، بل ومن رواده.

– تحويل الديانات إلى أفكار وفقرات وضعية يمكن التعديل عليها مستقبلاً من غير المتخصص الذي يملك صلاحية من المسؤولين بحجة التطوير وإبراز بعض النماذج المنحرفة ممن يتسترون بستار الدين كتعبير عن الفوضى وأن الحل الوحيد هو التنظيم دون ذكر الطرف المنظم من قبلهم ليحكم عليه الناس.

– تكثير الشهادات الرسمية الدينية ولو من بلاد لا تمت للإسلام بصلة لتحويل المتحدث في وسائل الإعلام إلى عالم لا يساويه علماء الدين للسبب الذي ذكرته في العلمانية واستحكام التمويه الديني وفي المصلحة الدينية.

– نشر معاني النجاح في المجتمع على نحو التكسب المادي تحت ذرائع وترهيب أدلة الكسب على العيال ووجوبها دون بيان أدلة الضوابط والانفاق في سبيل الله، وتحويل الإنفاق في سبيل الله لعناوين البذخ والتبذير والإسراف، وجعل الدنيا لمعترك النجاح بدلا من الآخرة.

– تحويل معنى يسرية الدين إلى مفهوم سهولة الإفتاء وتعويم الاجتهاد بعيدًا عن أدلة رب العباد والاقتصار على القرآن وعمومياته ومجملاته في الحكم على الأمور الخاصة التي لم ترد فيه على نحو صريح بعيدًا عن فهم معنى لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، وقد بدأت بعبارة “حسبنا كتاب الله” في السقيفة.

– جعل الحلال والحرام نابعًا من بطون المصلحة الشخصية والمفسدة، فما كان فيه مصلحة شخصية حلال في النظر وما فيه مضرة شخصية حرام في النظر على نحو الظرف الشخصي.

– استسخاف الأحكام الدينية التي تخالفهم كحرمة ملابس الشهرة والشهرة في الحلاقة و المظهر حرام, ابتكروا لفظة الموضة؛ ليقتلوا هذا الحكم الشرعي.

وفي المصالح الاجتماعية:
– تضييق معنى صلة الارحام للأب والأم والأخ والأخت فقط لا غير لتفتيت التلاحم بالأسر المركبة وتقليل التفاعل الاجتماعي والتهرب من التزاماته الدينية.

– دعم إبراز مصطلح الحرية الشخصية كما نراه اليوم لقطع منابر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحت ذرائعها والتقليل من النصح والإرشاد.

– جعل الفنانين المنحرفين في مقام القدوة للمجتمع حيث تقول إحدى الراقصات في أحد اللقاءات “الحمد لله لقد وفقني الله للحج فتوفقت في الحفلة الفلانية حينما رقصت فيها”.

– تشويه صورة المؤمنين ولو بالأمور المحللة كتعدد الزوجات والزواج المنقطع وغيره بينما تراهم يشجعون الحفلات الماجنة ويتكلمون عنها وعن أخبار المجون والغناء؛ لضرب القدوة الدينية اجتماعيًا، وتصوير تدبير معيشتهم المادية بالبخل وإنفاقهم بالتبذير مثلاً لخلق الصورة السيئة لا محالة.

– نشر فكرة تحديد النسل تحت ذرائع الإنفاق رغم أن الآيات صريحة في ذلك وحرمتها جلية لتقليل عدد أفراد المجتمع وتقليص الجماهير بحثا عن الرفاهية.

وفي المصالح الروحية:
– جعلوا عينيك فكا يتمنى كل ما يراه بطرق مدروسة.
– جعلوا أذنك تسأم من ذكر الدين، والدليل لاحظ المنتديات في مواضيعها الدينية وتفاعلها عن غيره من الأقسام.
– جعلوا أنفك يشم عطور النساء من المتبرجات المبتذلات.
– دخلوا لمخيلتك بألفاظ رسمت أفلامًا خيالية.
– جعلوا فمك يتكلم بما يشتهي كيفما يريد رغم أن “مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد”، ولا يستطعم ويلتذ إلا بطعامهم حتى لو ظهرت عيوبه وفضائحه في الانترنت.

بعد ما ذكر من بعض الأمور سنرى:
بأن مفهوم الحب مادي جنسي، فلو سأل سائل هل الحب حرام؟؟ سيجيبه الإسلام لا ولكن بشروط، سيحذف الشروط ويغير حب الإسلام النقي إلى الحب المادي الجنسي ويتحول السؤال لمعاني أخرى.

وأتذكر مرة قالها أحد الشباب في وجهي بأنه لا يتصور بأن الدين متوحش لدرجة أنه يحرم الحب؟؟!! ولم يقبل الحب على أخته!! الاختلاط في الكليات والجامعات تحول لعنوان الزمالة والصداقة!! وهو اختلاط محرم. الفتوى من قبل أي أحد صارت تسمى رأي، وهي فتوى ومن فتى بغير علم أكبه الله على منخريه في نار جهنم.

الزنا صار يسمى علاقة عاطفية لأن كلمة الزنا حادة كحد السيف في نفوس المسلمات فصار المصطلح الجديد مقبولاً أكثر. ولد الزنا يسمى الابن الطبيعي أي أنه نتيجة طبيعية لعلاقة ما، كون كلمة ولد الزنا مكروهة. طالب العلم والعالم صار يسمى معممًا أو رجل دين واعتبر اختصاصه مستقلاً عن الحياة.
روايات أهل البيت (عليهم السلام) وروايات النبي (صلى الله عليه وآله) صارت مرفوضة لأنها لم تحقق أمام عيني المجادل وتحت ذريعة يمكن الرواية ضعيفة!! الاستفتاءات مرفوضة بالتشكيك في كيفية السؤال، يمكن طريقة السؤال تسببت بالحرمة؟!
الحماس الديني تطرف والتفسخ الأخلاقي انفتاح، وهكذا أغلقوا منافذ الدين وبوابات علومه وأسكتوا صوته الأخلاقي تحت مضامين الحرية والتعددية في الإدراك والمعنى والعولمة بدعم رسمي لخلطة سحرية نجحت وانطلت علينا من منابع مجازيات وتلاعب بالألفاظ هم غيروها. وتشدقت الناس بنظريات فرويد وبافلوف وادلر التي أوخذت عليهم حتى من الغربيين، ولم تناقش النظريات التي صدرت منهم لتخدم المصلحة الدينية بشكل مدروس.
وفتحوا على الناس العناوين العامة الكبيرة التي قد لا تشمل المعنى الديني حتى بشكل جزئي، فالعناوين الضخمة كالحرية والإنسانية والكرم تحتاج لآليات التطبيق فهم لا يذكرونها لتبيان الأمر، أين نطبقها؟؟؟
على الجار الذي إن ساعدته صرت في نظرهم مسرفًا؟ أم على ابن عمي الذي لا يعد من الأرحام تقريبات في نظرهم؟ أم على المجتمع الذي سيراني غبيًا لا أعرف التصرف بالمال الذي جنيته؟
والانسانية، هل تعني نشر الأمراض كالايدز أم أولاد الزنا وتكاثرهم في الشوارع أم فقدان الشرف عند أكثر النساء بسبب العلاقة والزمالة والصداقة مع الأولاد أم ماذا؟؟
الحرية هل تعني الابتذال؟؟ أم استعراض الأعراض، أم تعويم الدين وتضييع منابعه أم ماذا؟؟

إن نشر العناوين الكبيرة يسمى في اللغة والاصطلاح “إجمالاً”، يعني أنه يحتاج للتفصيل والتوضيح، لا أن يؤخذ على علاته، ففي العموميات من الألفاظ سلب وإيجاب، حتى لفظة الرب العامة فهي تحوي عدم الشريك في معانيها وخصوصية الوحدانية فيها، ولفظة الإمامة العامة تحوي الإمام المعصوم وإمام الجمعة وإمام الجماعة وتحوي إمام الكفار وامام العصاة وكلهم، ولكن التوضيح والتفصيل خرج الكفار والعاصين في معانيها الاصطلاحية والمعاني الاصطلاحية جعلت الإمامة لأهل البيت (عليهم السلام) غير إمامة الجماعة والجمعة وهكذا.
فمن أكبر العيوب أن يأخذ الشباب على عواتقهم نشر المعاني العامة بلا تفصيل، حتى تنتشر بشكل لا يمنع القبول ويمنع المعارضة ويتحول حينها المتدين إلى شخص معقد في نظر الجميع.
ولا ننسى راية الإمام الكاظم (عليه السلام) في قصة بشر الحافي حين سأل جاريته : “سيدك حر أم عبد؟؟”، فقالت: “حر”، فقال (عليه السلام): :لو كان عبدا لأطاع مولاه!”، فماذا سيكون تعبير الحرية العام هنا؟؟!! حينما فرضوا بأن العبودية ذل فقط بكل الحالات؟!

كيف يمكن للحرية العامة أن تتحقق؟ أوليس المجرمون تصرفوا بمنطوق الحريات العامة، ولكن المجتمع قاضاهم لأن حريتهم أضرت بالمجتمع ثم يقولون أن ليس للحرية حدود؟!! فالحرية بمعناها العام الذي رفعوه ومعنى الحرية الشخصية لا وجود له بالمعنى الذي يدعون إليه، ولكن كل شيء له قيوده، وقيودهم قوانينهم الوضعية، فلماذا يتدخلون في شؤون مدمني المخدرات أليس ذلك لحفظ الشباب من الضياع؟ أوليس الدين ينادي بعنوان حفظ الشباب من الضياع عن الخالق والمعبود في موجة عنوان عام هم ابتدعوه؟؟
وتوقعوا على مدى الأيام القادمة والسنوات القادمة والأجيال القادمة عناوينا أخرى ستكون من نتاج نشرنا لثقافة العموميات الغير مقيدة وغير مفصلة لجيل سيأتي ينتظر منا بقايا ثقافة إسلامية ودينية أصيلة وكل ذلك من أجل تصريف معاملة رسمية هنا وهناك.

لاحظوا العبايات الإسلامية كيف تحولت إلى مخصر وفرنسي وروماني والفراشة وباتمان …إلخ، تحت عنوان أهم شي ستر الجسم، رغم أن الستر لم يكن للجسم وإنما كان للبشرة والجلد فقط لمرتديها!!

تعويم الفكرة بين العموميات وإطلاق العنان لجزئية الرأي مع تهميش الرأي الديني الحاكم على التصرفات الأخلاقية وابتداع سلوك مادي قائم على تحقيق الثروات حوّل المجتمع إلى صورة الضياع الفعلية تحت مطرقة الحياة وسندان الإعلام واللهفة لتحقيق الثروة التي لم ينل كثير من مالكيها السعادة، ولم ينالوا الاستقرار النفسي والروحي، بل تراهم يبكون لأنهم لم يحققوا الثروة حتى الآن!!

ضياع الرسالة والهدف هو الذي حول المجتمع إلى ملاعب الأقدار، وعموميات العناوين بلا تحديد أكثرت من الخداع والحيل تحت شموليات العناوين الضبابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*