نمذجة الغزو الغير أخلاقي

image_pdfimage_print

كان الكلام في تعريف الغزو الغير أخلاقي وطريقة معرفته، واليوم الكلام عن الصيغ التي اُتبعت لتأصيل ذلك في أفكارنا وطريقتنا الحياتية. وقبل ذلك علينا معرفة بعض الأمور:
– أولها: المدارس المعروفة لجعل السلوك محل الأخلاق الدينية.
– ثانيًا: المصطلحات الدينية وتغييرها.
– ثالثًا: المصطلحات الجديدة المستحدثة التي غزت المجتمع.

ونحيط حضراتكم علمًا بأن الألفاظ تنقسم للمجاز والمرتجل والحقيقة والمنقول والمشترك، فالمجاز: أن تقول زيد أسد تقصد شجاعته لا الوصاخة الحيوانية، فالأسد حيوان معروف ببخر الفم. والمرتجل: أن يسمي أحد ابنه باسم أسد ولكن لا يعني أنه شجاعٌ بالضرورة. والحقيقة: كأن تقول أنا انسان حقًا إنك إنسان ناطق ومفكر. والمنقول: كأن ننقل لفظ الصلاة من معناها الحقيقي الدعاء لمعناها الحالي وهو الركوع والسجود بحيث لا يفهم من هذا اللفظ إلا معناها الحالي ويُنسى معناها الأول. والمشترك: كلفظة العين تعني العين الباصرة وعين الشيء يعني مادته والعين الجاسوس…الخ، وهكذا فإن للمنطق استخدامات عديدة تجدون الفنون في مباحث الألفاظ.

فعلى هذه الأشكال تقلبت المفاهيم والمصطلحات الاعلامية، بعد هذا الكلام اليسير نستطيع الدخول في موضوعنا الخاص، وخصوصًا أننا سئمنا اتهامنا بأننا من حملة فكرة “المؤامرة”، و “المتدينين كله يشكون بوجود مؤامرة” وما شابه من موجات التهوين التي تقال عنهم.
دعونا نطلع حضراتكم على بعض الأسرار وما يجري في الخفاء. فلنبدأ بالمدارس الفكرية، التي تجعل السلوك مكان الأخلاق المتدينة:

– Secularism العولمة

أو العلمانية، كثير من الناس يعرفها بأنها من معاني العلم!! أو الاعتماد على العلم!! رغم أن العلم باللغة الانجليزية science والعلمي Scientism أو Scientific إذا اهل العلمي يتذكرون الحاسبة العلمية Scientific calculator وهكذا.. فما هي Secularism العولمة؟

دائرة المعارف البريطانية: مادة [Secularism]:هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها.
وقد ذكرت هذا المصطلح من ضمن باب الإلحاد حيث قسمته إلى نظري وعملي واعتبرت العولمة من الإلحاد العملي.
قاموس اكسفورد Secular:
1- دنيوي أو مادي ليس دينيًا ولا روحيًا، مثل: التربية اللادينية الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
2- الرأي الذي يقول أنه لاينبغى أن يكون الدين أساسًا للأخلاق والتربية.
وقد استخدمت هذه الكلمة المشتقة من كلمة لاتينية سيكولوم Saeculum، وتعني الدنيوي وقد استخدمت في المخطوطات بما يعني ما يقابل الكنيسة، وظهرت هذه الكلمة للعالم لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا (عام 1648م) -الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوروبا- وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيرًا إلى “علمنة” ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية. وقد اتسع المجال المصطلحاتي للكلمة على يد جون هوليوك (1817-1906م) الذي عرف العلمانية بأنها: “الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض”، أي دون التدخل الشرعي، وقد استدل العرب متفننين بعدة معاني للعلمانية و لم يذكروا معناها الأصلي وذلك بسبب خوفهم من نفور الناس عن هذه التيارات الغير متدينة، فجعلوا لها ألفاظها المنمقة، رغم أن العلمانية استهلكت عالميًا فما زالوا يحاولون إحياءها في مجتمعاتنا العربية.

تغيير المصطلح الى (بوست سيكولاريزم-Post-secularism) و صاغه البروفسير جون كين، و معناه ما بعد العلمانية .و”ما بعد” هنا تعني في واقع الأمر “نهاية”،حيث وجد العالم انتشار الايدز والجريمة والفقر والامراض والقوميات ذات النزعة العدوانية من مفرزات هذه العلمانية، فما عاد العالم ليثق بهذا التيار، ولو تم تطوير تطوير مدارسه.
على العموم فتلك العلمانية التي بحثت عن الفكر النفعي وجعلت تحصيل اللذات المحسوسة نجاحًا، سقطت للهاوية وبقيت أفكارها تبث في عالمنا العربي بأيدي عربية، وتلقى رواجًا، لا أدري سمعتها من كم شخص يقول في وجهي أنا علماني وكنت ابتسم لأني أدري بأنه لا يقصد إلا المعنى الشائع لا المعنى الإلحادي.
وتعبر العلمانية عن الأخلاق بالسلوك أي ما يمكن أن يحقق نفعًا إن سلكته تحت معاني الغاية تبرر الوسيلة.

– تعددية الإدراك pluralism

أطلنا الكلام في العلمانية وضاق علينا هنا. وهي تعتبر نفسها أنها حلت مشكلة الأديان بفكر منطقي مُستقى من سقراط دون الحاجة إلى الفلسفة. حيث أنها أشاعت بأنك لا تصل لكل الحقيقة وإنما جزءً منها وتبحث عن باقي الأجزاء مع غيرك على نحو مساهمة، بما في ذلك حقائق مبادئ الأديان!!
فعلى هذا يجب أن لا نتفرد بفكرة دينية أو حياتية وإنما ننظر إليها على أنها مساهمة مع أديان أخرى وأفكار اخرى!! فعلى هذا لا يحق لك بمنع الشذوذ الجنسي ولا الدعارة ولا الخمر ولا المخدرات لأننا لا نملك الحقيقة كاملة عن الحرية ولا يحق لهم أن يحبسوا السارق ولا القاتل لنفس السبب!!
الحمد لله عندنا القرآن وعندنا رسول الله (ص) الإنسان الكامل الحمد لله عندنا اعتقاد جازم بالعصمة ولدينا الحقيقة كاملة من أهل البيت (ع)، وإن كانوا ينقصهم شيء فلدينا المزيد، والحق بيِّـن والباطل بيِّـن عندنا، الحمد لله.

– الهيرومنطيقا hermenutics والالسنيات

وهو يعتني بقراءة النصوص والسبر في أغوارها باعتبار القوة في ملاحظة المنصوص والقراءة بين سطوره، ولكن فكرتهم المحورية تدور في أن المعنى وليد ذهن القارئ والسامع لا وليد ذهن الكاتب أو المتكلم!

وعلى هذا لا يؤمنون بما يعتقده الانسان من القرآن والتوراة والإنجيل، بل لهم الحق في توجيه الكلام وانتقاده بحسب ما يرونه مناسبًا. يعني كل يدعي الوصل بليلى، أي أنهم يؤمنون بجزئية المعنى كما يؤمن أهل التعددية بجزئية الإدراك، فعلى هذا تاهت مفاهيم الدين وسلام على آل يس!! وسلام على آل يس أي آل يس عندهم يمكن حتى لو كانوا جيراني أو نا من عائلة آل يس..

لو فكرنا بهذه المدارس الفكرية الثلاث كيف نشأت وكيف تتبلور أفكارها لوجدنا العلة والسبب من وراء أن بعض الأعضاء في المنتدى كيف لا يفهمون لبعضهم البعض فكيف الناس جميعا؟؟ وكيف المتدينين؟؟ وهذا جعل المجتمع يعيش في حالات منها:

– عدم الاعتناء بالمدارس الدينية العريقة الحوزات والقرآن عندنا رغم أنها صنعت جهابذة والاعتناء بالمدارس الحكومية ودعمها والاعتراف بها لكي يتسنى للحكومات النفوذ والسيطرة وبث مايشاؤون كنظرية داروين والانسان قرد …الخ من النظريات المختلفة، وعدم الاعتراف إلا بالشهادات الحكومية في العالم تحت راية عالمية واحدة في المنهجة والتدريس.

– عدم الاعتناء بمادتي الدين واللغة العربية وتمييع المنهج فتتعسر لغة التواصل ولا تكون اللغة إلا لغتهم -لاحظ المثقف ما يصدقونه إلا إذا جاب أسامي غربية ويستعرض عضلاته ابهم بعد! كأنما مافي روايات ولا آيات ولا فكر عربي- بجانب الترجمة لبعض كتبهم الناقدة لأفكار المتدينين إذا استدعى الأمر، وأنصحكم بالدخول للمكتبات اليوم لتروا كتب داروين وبافلوف وفرويد الإباحي وربعهم، أين الصحاح؟ أين القواميس العربية؟ أين كتب الفخر الرازي والغزالي و أهل البيت (ع)؟!!

-تطوير الذات صار بمعنى جلب المادة مستوى الرفاهية، وليس السعي للخلق الكريم.

– انتشار الاختلاط وترويج المنكر تحت الأعذار ومسميات الحرية حتى صرنا لا نستطيع التحدث تحت تلك الشعارات ولعلكم يا من تقرأون تبحثون بالانترنت لما كتبته من مصطلحات فتقرأون مقالات المريدين لهذه المدارس لأجدكم تتبعونهم بعيدًا عن أصل الفكرة، ولكن حذاري.

– النداء للرفاهية المادية والدنيا تحت القواعد اللادينية، والدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فلا تختاروا جنة الكافر فما عند الله خير وأبقى، فلاحظ كل دروس تطوير الذات هي تحت مباحث تحقيق الكسب المادي فقط ولا تتضمن الأخلاق إلا في مباحث المتدينين الذين يطورون الذات فعلاً!

– نشر ثقافة الغناء والمجون والرقص تحت مسميات علاج نفسي وموسيقى كلاسيكية لتتجلى عظمة بيتهوفن الفاشل دراسيًا وروحية بوب مورلي الماجن وأخبار الفنانين تحت الذرائع، بعيدًا عن صقل الهمم وشحذ القرارات وحمل هموم الحياة ورسالاتها، لاحظ القدوة تغيرت! وضاعت عن عقله الأسوة الحقيقية!

– إحياء الجنوح للنزعات الشهوانية والرغباتية بعيدًا عن القيود الدينية لخلق مسميات الحرية الجديدة، كلما تنصح واحد يقول أنا حر!

– الاستهزاء بأفكار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر تحت مسميات التدخل بشؤون الناس، واعتبار أفكارهم جزئية ورجعية وكونهم معقدين لا يفهمون الحياة، أي الحياة التي يعيشها تحت سطور كلمات مجتمعات الغرب، ولعله لا يلاحظ غربته بين مجتمعه.

– اعتبار علماء الدين رجعيين وملاحقتهم بالتنكيل إن لم يقتنعوا بالفكرة أو ملاحقتهم بالجدال والمنازلات الكلامية عندما يبثون الفكرة.

– بث روح المساواة في الاختصاص مع المتخصصين من العلماء نظرًا لكونهم يحملون جزء الحقيقة بألسنيات القرآن، طبعًا المعنى ملك القارئ عندهم، لخلق عدم الاقتناع لأنهم يحملون جزء الحقيقة، تكون النتيجة هم أيضًا علماء، وبإمكانهم الإفتاء، ويزيدون الطين بلة بقولهم الدين دين يسر، دين يسر بالتطبيق مو تصير مرجع بيوم وليلة مو يسر بالفتوى، يعني إذا كان الأمر كذلك غدًا كلنا أطباء!! “وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ”.

– تنزيل الناس لمنزلة الجهلاء نظرًا لرجوعهم لعلماء الدين، صراحة أنا عن نفسي جاهل بغير اللي تعلمته، جاهل بالطب والهندسة والميكانيكا، وحتى غسل الثياب والطبخ وجزى الله زوجتي خيرًا، لا أعلم لماذا لا يقبل بعض الشباب أن يقولوا نحن نجهل هذا الاختصاص لذلك نسأل ونقلد كباقي علوم الحياة.

أُلِّفَـت الكتب وكُتِبَت المقالات على هذه المدارس الثلاث رغم الويلات التي جرَّتها للمجتمع الغربي والآفات النفسية التي خلقتها والاقتصادية والروحية، هناك من يصدرها للعرب كما هي؟!!
لا أُنكر الجزء الإيجابي منها، ولكنها ذات خطورة في سلبيتها وخصوصًا في المجتمع الذي يحتوي على إيجابياتها دون منهجة، من زمان نتأمل في القرآن، “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا”، ونؤمن بالحقيقة الإلهية الكاملة.
وإن تولدت هذه المصطلحات في مجتمعاتهم بسبب تسيب وانحراف الكنيسة في يوم ما! “فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ”! إلا أننا لم ينحرف قادتنا ولم يقولوا لنا هذا من عند الله وهو من عندهم!! كيفما كانت الأمور فاتِّباع البعض من جماعات التطوير سبلاً سهلة ستجرُّنا لويلات التدمير بلا تدخل الشريعة.

أحس الموضوع قد طال، فسنُجَـزِّأه إلى الأسابيع القادمة إن شاء الله تعالى، لأنه بقي قسمان: (ثانيًا: المصطلحات الدينية وتغييرها، ثالثًا: المصطلحات الجديدة المستحدثة التي غزت المجتمع)، هذا ما خطه خادمكم الليلة، والحمدلله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*