الإنسياق المغرض

image_pdfimage_print

وفي كثير من الأحوال نرى الفتاوى صادرة من المرجعية بكيفيات واضحة وبينة دامغة، ألا ان هناك البعض ممن يدعي عدم الوضوح والآخر يدعي زيادة جزئيات تستوحى من بين السطور، فيحصل الصدام والفتاوى مكتوبة ومختومة من الإمام..

فالمؤوّلون الذين يحرفون الكلم عن مواضعه لا بد لهم من دافع لفعل ذلك، ولا بد للناس ان تتأكد من القصور إذا ضاع الوضوح فعلاً أو قوة، لتحقيق العلم المتيقن والانصياع المتقن، بعيداً عن تحقيق أهداف الغير المشبوهة.. فلو لم تكن كذلك قلم الالتفاف على الفتوى..

روايات “بصل عكة” وغيرها لو فعلت لقرأنا كتاب مسيلمة الكذاب وبحثنا فيما دللت، فالوسيط لا يتناول أكثر من غير المباشر مرة واحدة وكلما بعدت شقة عدم المباشر بعدنا عن المعنى حتى ندخل في أجواء معانٍ ليست حقيقة ولا مرادة من الشارع الأقدس وكل هذا الاشتباه سببه الانتقال والتنقل بين الوجوه وجزئيات المعاني..

فقبل قراءة أي فتوى على الإنسان أن يجرد نفسه من الشائعات، ويركز في المعاني الحرفية حتى لا ينساق معها ومع الشائعة فيخرج بمعنى داعم للشائعات أو مغاير للمعنيين، فيكون بذلك قد خرج عن المعنى الأول وهو الفتوى الصادرة من المرجعية..

وقد يستعمل المغرضون أساليب الإيحاء الذاتي لتحويل المعاني بين الناس لدرجة ان المثقف لو قرأ الفتوى لا يرى غير معناهم المدعى ولا يسمع غير أقوالهم المزبورة بحسب منظورهم الذي صنعوه بالجزئيات، فعلى سبيل المثال لا الحصر: ان اللحى علامة إيمانية معروفة، ولكن اليهود لهم لحى، وهناك من يطلقها أكثر من اللازم لكي يجعل منها موضة ما، فالناقد لليهود حينما يصيح بأصحاب اللحى والناقد للموضة حينما يستهزئ، بها يغدو الأمر عند العوام بتأثير الإعلام مستهجناً حتى تفقد العلامة الإيمانية قداستها وكنها هي التي هودت أو صنعت الموضة.. وبعد مدة قليلة يتجاوز العادون على المؤمنين بلفظ أصحاب اللحى الذي استهجنه الإعلام.. والأمر كله مغالطة في مغالطة، وأشبه بقياس الفئران لها آذان، والجدران لها آذان، إذا فالجدران فئران أو العكس..

وهذا الانسياق المغرض الذي دفع العدو لان يستغله بعد ان كان حكراً على التجار كقضية “بصل عكة”، فتراهم يغلبون الدين على نحو المغالطة السياسية والاقتصادية، كجعل لفظة الاحتكار على الكماليات إذا ما حصرها التاجر وأخفاها عن السوق، رغم ان الاحتكار بالمعنى الشرعي يشمل الأفراد الضرورية من المواد الغذائية التي تتقوم بها الحياة، كالتمر والزبيب..الخ..

فقد تشوش تلك المعاني عقول المبتدئين من المتشرعة، أو يستخدمها المضللون لتحقيق أهدافهم في إسقاط ماركة أو علامة تجارية مسجلة باسم الاحتكار، أو أنها تستعين بلفظ الجلالة.. فالاستهانة بلفظ الجلالة جريمة وشيمة يحاسب عليها فاعلها ولكن بعد التحقيق لان المتهم بريء حتى تثبت إدانته..

ان استغلال الثورات الدينية والمسيرات والغضب الاممي الديني قد يضعف منه ويستخفه لدرجة غير متوقعة حتى يأتي وقتها فنراه قد تلاشى، لذلك الحذر الحذر من التلاعب به، فلا ننشق من أوامر المرجعية اليقظة كي لا نقع في الهوان، كما تسارع المتشرعة مرة في أفلام الكارتون (البوكيمون) لتحويلها سبب ضد المولى ومعاني كفرية، فحينما تحقق المراجع الإعلام وجدوا ان الواقع غير المدعى.. فلم يتسرعوا بالإفتاء كما فعل المتشرعة المبتدئين غير المؤهلين للفتوى..

فالتدرع بالثقافة الدينية خير دليل لتحقيق الأمان الفعلي من التلاعب بوجوه وجزئيات الثوابت، والرجوع للمرجعيات الجامعة للشرائط خير مخرج من دهاليز الجدل وأهازيج الهزل..

وهناك من يدعي اجمال الفتوى وعدم الوضوح وكأنه يريد من المرجعية ان تكتب ما يمليه بلسانه، فيؤول بعدم العلم لما يصبوا إليه، وعدم معرفته أو إلمامه بما هو مطلوب منه، فالأمر متروك لله سبحانه فالإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة..

وقد يعرض المجتهد والمرجع الديني لخدمة أناس قد غضب المجتمع عليهم بعد توبتهم أو يأمل هدايتهم للصواب، فتقوم ثغرات الثأر وسياسة المستشفي بالاعتراض على السبيل الشرعي والتدخل في شؤونه الخاصة، فيحدث الطعن في المرجعيات من قبل من يدعون التشرع، وكأنهم يفتون قبال فتوى المجتهد، ومن فتى بغير علم أكبه الله على منخريه في نار جهنم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*