لماذا الاتهام?!

image_pdfimage_print

نرى المؤرخين الغير مسلمين تارة يتهمون المسلمين بأنهم أخذوا فكرة الحجاب وفلسفته من الإمبراطوريتين الرومانية والإيرانية كأثر سلبي متوغل في الأفكار الدينية الإسلامية, وتارة يتهمون الإسلام بالتشدد في فكرة الحجاب لدرجة قساوة أديانهم .. لماذا ?!
من المؤكد والواضح في أساليبهم الكلامية حقدهم للدين الحنيف… فتارة يصفونه بالنقص حيث أنه لم يطرح أبسط أمور الحجاب الذي طرحته جميع الأديان والمعتقدات بتباين الأفكار بينهم.. رغم أنه قد نزلت آيات قرآنية كثيرة توضح الحجاب  وحدوده وأهدافه وكيفية مؤيدة بالأحاديث النبوية الشريفة قبل إسلام الإمبراطوريتين وإسقاطهما وقبل وصول الإسلام للهنود ..
ونرى المستاءين من الحجاب يرون الدين الإسلامي هو السبب في القساوة  التي تعانيها المرأة من جراء تشدده في المسألة المزبورة.. ولكن حسب البحث الذي طرح وحسب ما هم يعرفونه ويحاولون إخفائه إنهم هم من يتشدد في هذه المسألة ويرتبون على من تلتزم  بها نهاية أسرة وتفكك مجتمع بكامله…. وسيأتي – إن شاء الله – في هذا الفصل كلام عن تشريع الإسلام للحجاب وحدوده… لنثبت أن الإسلام كامل بتعاليمه ولا يقبل التكملة عليه … كما أن على العاقل أن يفهم بأن الإسلام هو الذي يصنع وليس تأثير المجتمع الإسلامي بغيره يؤخذ بعين الاعتبار من ناحية تعاليمه… فالعيب في من تأثر وانجرف .. لا في القاعدة أو القيم الدينية .. والعيب في التراب والماء لا في طبقة الأرض  الصلبة ..
أسبابه..
هناك من جهة الأسباب قسمين, قسم تأريخي للحجاب وقسم تشريعي فأما القسم التاريخي فهو ما مرت به الأسر والنساء من ظروف حتمت الحجاب على الأفراد المؤنثة في المجتمع أو الاعتقادات السائدة.. فلو عرفت الظروف والسبب يبطل من حينها من الحجاب العجب .. ولو عرفت لما ألتبس المؤرخون بين الدين الإسلامي وتأريخ الأمم, ولانجلت التهم والوهم..
فلو نظرنا أولا للأسباب التاريخية والظروف المسببة لتجلت لنا الأسباب التالية:ـ
1 . فقدان الأمن الاطمئنان:ـ
لقد كان فقدان الأمن والاطمئنان والعدالة الاجتماعية سائداً في المجتمعات السالفة, فكان ذوي النفوذ والسيطرة السلطنة يهجمون على أي بنت يسمعون أن فيه أمرأة حسناء ويخطفونها من  زوجها .. فلذلك كان على كل من لديه أمرأة جميلة أن يخفيها لا أن يلبسها الحجاب فحسب..
كما كان ذوي الأموال يخفون كنوزهم تحت الأرض حتى عن أولادهم تحسبا من الأشقياء كان من لديه أمرأة جميلة يخفيها .. فلم يكن الهدف من هذا كله العفاف والستر .. بل كان هدفهم إخفاء المرأة لحمايتها وحماية حياة الزوج نفسه..
2 . معتقدات الكنيسة:ـ
وهو اعتقاد الرهبان والكهنة شيطانية المرأة واعتبارهم لها أداة لتحقيق الملذات الدنيوية .. وبناءا على إستحقار هذه الملذات استحقرت المرأة وعوملت معاملة قاسية من الرجال في لك العصر الغابر لأنهم اعتبروها شيطاناً حقيقياً .. فلذلك كان على الكنيسة حجبها عن الأنظار لكي يحاولون توفير الجو الخالي من الشياطين حسب اعتقادهم .. فنرى اليهود يقسون عليها في مسألة الحجاب ـ كما أسلفنا ـ والهنود يدفنونها مع زوجها حيّةً أو يحرقونها معه .. باعتبارها تابعة له أو شيطاناً ملازماً له..
3 . سيطرة الرجل على المرأة:ـ
من المعروف منذ القدم أن الرجل أقوى من المرأة جسمانياً فكان الرجل يأمر زوجته بالحجاب لغيرته عليها من رجل آخر أجنبي يتلذذ بجمالها وحسنها فلحفظ النوع وحفظ العرض أمرها بالاحتجاب عن أنظار الأجانب..
جاء في كتاب (انتقادات حول الدستور والقانون المدني الإيراني) ما يلي:ـ
(والخلاصة أن رجال تلك المرحلة كانوا يعدون المرأة أداة ينحصر عملها في العمل البيتي وتربية الأطفال, وحينما تخرج هذه الأداة من البيت كانوا يكسونها من رأسها حتى قدميها بلفة سوداء..))..
أما مي الناحية التشريعية فللإسلام أسبابه الخاصة التي هي أسمى وأجل من أي أسباب أخرى .. فنرى الإسلام يريد دفع قيمة المرأة أولاً وآخراً. فمثلاً لو حللنا الأسباب التاريخية لوجدنا أن الإسلام لم ينظر بمنظارها ليشرع الحجاب .. فمثلاً:
1 . فقدان الأمن :ـ لو وجد الأمن الاجتماعي بعدالته لكان الإسلام يشرع الحجاب على المرأة لكي يمنع وقوع الفاحشة وما تجره من ورائها من أمراض فتاكة تضر بالمجتمع وتجره للويلات .. فلو وجد الأمن من الإمكان وقوع الفاحشة بالتراخي بين الجنسين فالأمن التاريخي لم يكن موجوداً من ناحية الاغتصاب للمرأة .. فمن هذا المنطلق يمكننا تحليل أن الإسلام لم يكن للشرع الحجاب من هذا السبب ومن هذا المنطلق..
2 . معتقدات الكنيسة.. أولاً:ـ فالكنيسة مشهورة بخصوصيتها للمسيح والإسلام دين آخر .. ثانياً:ـ قد رفض الإسلام كل أنواع الرهبنة والتكهن ورفع قيمة المرأة باعتبارها مساوية للرجل ولكل أجره عند الله حسب عمله ـ فلم يعتبرها مخلوقاً أخرا يفر منه الناس.
3 . سيطرة الرجل على المرأة:ـ يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز (الرجال قوامون على النساء) ففي هذه الآية نرى سدانة الرجل على المرأة بتقديسها كإنسان, لأن الدين الحنيف جعل من حقوقها أن يلبي الرجل احتياجاتها وأن يدافع عنها كعرض وإن مات دونها فهو شهيد, وأن يوفر لها وسائل الراحة فلم يجعل الإسلام قوامة الرجل قائمة على الظلم بل جعلها بسياسةٍ تحفظ حقوق المرأة ..
فمن هنا يطرح السؤال نفسه .. إذا لم تكن هذه هي أهداف الإسلام الأصلية فما هي أهدافه ?! وما هي علة تشريع الحجاب …
1 . منع استغلال المرأة:ـ من المشهور تاريخيا في العصور الغابرة استغلال المرأة حسب ما تقتضي المصلحة من الرجل فنراها مثلاً تستغل استغلالاً سياسياً للصلح بين المتناحرين فتزوج لأحد الأطراف لإيقاف الحرب, أو استغلالاً اقتصاديا وغيرها من أنواع الاستغلال لإدارتها كأداة تفي بالمصلحة..
ليس حجب المرأة عن الرجل تحقيراً لها أو استنقاصا لها وإنما هو حمايتها من الرجل .. فالرجل هو الذي يسعى دائماً للاختلاط بها لتحقيق ذاته وراحته النفسية .. فلذلك حماها الإسلام بتشريع حجابه للرفع من مكانتها من أداة لذة لإنسان له كرامته الخاصة به واحترامه.
2 . التوازن النفسي :ـ وجود الحائل بين الرجل والمرأة يمنع وقوع الفاحشة , وبالتالي يمنع الأمراض الجنسية .. ويمنع تفكك المجتمع .. لذلك فإن وجود الحجاب يرفع من قيمة المجتمع ككل ويجعله بتحفظه ذو قيم معتبرة تحسن من التربية الروحية لدى الجنسين .. فنرى القرآن الكريم يوصي : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم .. وقل للمؤمنات يغضوا من أبصارهن ويحفظن فروجهن) .. فمن هذه الآية نستشف أن على المؤمنين أولا غض الأبصار عن النساء ثم المؤمناتِ .. فلذلك كان هذا الميزان الإلهي أفضل تشريع لحفظ التوازن النفسي فليست الرهبنة مطلقا بالأمر الإيماني المحبوب وليست الشيوعية الجنسية بالشيء الاجتماعي المرغوب .. وإنما هو ميزانٌ بين أن تفي الزوجة بالإشباع الذي يحتاجه الزوج ويحرم الرجل نفسه على غيرها من تحرم عليه .. وبهذه الطريقة وضع الإسلام حواجزه المنطقية الدقيقة .. فقد منع الدين الحنيف الإثارة من الطرفين لصد ردة الفعل وإنهائها من الجنسين..
3 . إحكام الرابطة الأسرية وتقويتها:ـ مما لاشك فيه و لا ريب إن  تفرد الزوجة بزوجها وتفرد الزوج بزوجته يخلق بينهما حياةً ودية أعمق مما لو كانت الزوجة تتصل بغير زوجها والزوج بغير زوجته جنسياً .. فشعور الزوج والزوجة بعدم وجود غيرها على الصعيد العاطفي والجنسي يجعل العائلة أكثر استقراراً ووداً ويمنعها من التفكك .. لأنهما دفناها, فتهيأ للجميع المعيشة المستقرة تحت ظل الحب والاحترام .. والدليل الواضح لهذه النظرية ما نراه في الدول الغربية والعائلات التي تعيش بعض الطلاق من تفكك .. فالأب ينصرف لزوجته الثانية والأم لزوجها الآخر .. بينما الأبناء يدورون في أفلاك متباينة إلى أن يؤدي بهم هذا الدوار للانحراف … وهكذا .. فإن المجتمع يتلاحم بتلاحم الأسرة ويتفكك بتفككها .. لأن الأسرة لبنة من لبنات المجتمع..
كما أن المجتمع كلما أتجه شبابه نحو الجنس  والعلاقات المحرمة كلما قل إنتاجه .. لأن الشباب منصرف بكامل قواه للتعبد بالمرأة وملاحقتها وغيرها من الأمور الطائشة التي تحول المجتمع  من مرحلة الإنسانية للمرحلة المعاكسة وهي مرحلة البهائم ..فتتعطل لهذه الأسباب طاقات المجتمع لينحط في الحضيض بعد تحوله لمجتمع استهلاكي فقط.

4 . رفعة المرأة واحترامها:ـ المرأة المحجبة المرتدية زي الوقار والعفة لا يقترب لها الشباب الطائش ليؤذيها بتصرفاته .. لأنها بهذه الحالة تحترم من قبل رجال المجتمع .. فتطغى هيبتها على من يراها فلا توسوس أو تسول له نفسه بالتحرش بها .. فتمشي بين الناس بكامل كرامتها واحترامها الذي تستحقه حسب تحجبها وعفتها,  وسيأتي في الباب القادم أن المرأة المحجبة أكثر جاذبية للرجل من السافرة ـ فنرى تقديس الرجال لها واحترامها واضحا في كل مجتمع ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*