الدليل الآخر في الشريعة

image_pdfimage_print

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم الؤبد على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.. رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي..

°ˆ~*¤®§(*§*)§®¤*~ˆ°الدليل الآخر°ˆ~*¤®§(*§*)§®¤*~ˆ°

كثير من الناس يملكون مصادر الأدلة الشرعية .. ولكن..يحاولون ان يتشبثوا بالافتاء دونما يشعرون..حيث انه المعلومة الوحيدة في الذهن في ذلك الآن وتلك اللحظة..
حيث تثار الجدلية بين أطراف المجتمع والتراشق بالأدلة الشرعية والطرح الجدلي عبر قنوات المعلومات المتوفرة في الذهنية إلى حيث تفرغ الكلمات وتنتهي الأدلة وتجف السبل دون الوصول للنتائج المنشودة..
سنغض النظر لحظة عن كون تصرفهم ليس من شأنهم يعني ببساطة انهم ليسوا أهل اختصاص ولم يصلوا للمرتبة العلمية التي تؤهلهم للإستنباط..
ونقول : هل انهم استقرأوا الأدلة المتوفرة بالكامل.. يعني اذا كنت تحفظ رواية وغيرك رواية أخرى ..ألم تتأمل بأن غيرك بنفس المستوى يستدل برواية وهذه الرواية ايضا قد تكون معتمدة..
الصورة الأولى: البعض يلجأ الى طريقة الجمع بين الروايات ..يعني رواية تقول بالحرمة وأخرى بالحلية مثلا يحولهه مكروهة ..يعني بالعامية يتوقع مو حرام كلش.. ويتسالم الطرفان الغير متخصصان على هذا المحمل..
الصورة الثانية: والآخر يقول : روايتك ضعيفة وتضعيف الروايات مما يفوت على الناس الإستفادة منها!! وكأنك تكذب الرواة او تكذب المعصوم عليه السلام دون علم..
الصورة الثالثة: يخبرك بأنه غير مقتنع منها وأنها لا تلبي متطلبات العصر..
الصورة الرابعة:يدعي ان العلم متعارض معها..ففي الصورة الأولى يجب ان نعلم بأن الجمع بين الأدلة يحتاج للإلمام بالأدلة الشرعية المعتبرة عبر مفاهيم وقواعد الإستنباط يعني تقييم الدليل الشرعي كل على حدة.. ثم المقارنة فهنا تحصل النتائج الرجوة كالبراءة والإحتياط والتعادل والتراجيح التي من خلالها يقيم الدليلان .. فاذا تساويا فالبراءة أو الإحتياط وإن رجح أحدهم على الآخر أخذبه..
وهذه العمليات ليست بالهينة اذا ما قورنت بالذمة من حيثيات سنذكرها في الأخير..وفي الصورة الثانيةيجب احترام الروايات حتى غير المعتبرة لأنها ظنية الصدور أي قد تكون صادرة فعلا عن الإمام المعصوم عليه السلام وإنما وجود الراوي الضعيف جعلها تحت المجهر ورجح غيرها عليها.. وانما يقال الرواية لا تنهض بالدليل لو قورنت بغيرها.. هذ اذا فرضنا أنك صاحب اختصاص.. فمابال العكس.. فيجب على الإنسان التأدب حال استماع الروايات لأنها طريق الوحي وسبيل الإتصال بينك وبين المولى جل وعلا عبر منبع أهل البيت الصافي عليهم السلام..

الصورة الثالثة التي من خلالها يقول بأنه غير مقتنع منها وأنها لا تلبي متطلبات العصر.. كالروايات التي حرمت الموسيقى حيث ان كثير من الأعمال الفنية اليوم قائمة على الموسيقى تحت عنوان الكلاسيكية المصطلح عليه في علم الموسيقى رغم ان تلك الأعمال اليوم خرجت حتى عن المسمى الإصطلاحي الموسيقي لتتحول الى الراب والروك والميتال وغيرها.. وما زال الفاعلون يتحدثون عن الموسيقى الكلاسيكية وكثير من الناس يفهمها بأنها الموسيقى بلا أغاني .. وقد أفردت محاضرة هذا الموضوع لليلة الخميس القادمة..
وموضوعنا أن الملاءمة للعصر يصنعه الإبداع الخاص فإن كانت المؤثرات الصوتية والأوديو قادر على صنع المؤثرات في الوسائط المتعددة فالأناشيد يمكنها القيام بذلك أيضا ! بل وأن هناك من المسرحيات الصامتة كالميم والبانتوميم حيث استطاع الإنسان نشر ابداعاته من خلاله عبر الآهات وأصوات الآلات غير الموسيقية كالقطار والماء وغيرها..رغم ذلك سمي الأمر ابداعا حتى يومنا هذا فكيف لا يمكن للمسرح او الفيلم الحواري الذي هو أقل قيودا وأكثر حرية أن يبدع بالاستغناء عن الموسيقى التصويرية بتصوير وسائط متعددة أخر ..فإن من ضيق النظر الشعور بأن الوسائط المتعددة وهي الملتميديا هي بسعتها وتنوعاتها لا يمكن الا للموسيقى سد مجالها في الصوتيات والأوديوشنز في التأثير..
ولو لاحظ المنتقي للملاءمة والمنافرة للعصر نفسه سيجد بأنه يبحث عن الملاءمة والمنافرة في طبعه ليس إلا فنحن في القرن الواحد والعشرين لا يقيدنا أي عصر والمجال مفتوح للجميع إلا ما حرم الله على العباد..
ألا يمكن مراعاة عدم حصول الفساد الديني في الأعمال الفنية مع مراعاة الهدف الفني المستقل إجتماعيا واقتصاديا ومروريا من العمل الفني المنتج؟!! أي يكون بمقاييس دينية صرفة صالحة لكل شخص وكل مقلِّد؟؟

الصورة الرابعة: كنت عند طبيب في يوم من الأيام فقال لي إن لديكم رواية خاطئة تبنون عليها وتفعلونها ونتمنى منكم تغييرها لأنها خاطئة طبيا!! فقلت له ما هي؟؟ فقال : رواية ان نبتديء الطعام بالملح ونختمه بالملح!! ألا يمكنكم تصور ان ذلك يسبب ضغط الدم؟؟ كثرة الملح تسبب ضغط الدم..فبدلوها حتى لا تحرجونا مع الغربيين؟؟!!
قلت له: ماا تقدمون لمن هو مصاب بانخفاض ضغط الدم؟! قال اللبن المالح او الأشياء المالحة…فقلت له ماهي مسببات انخفاض ضغط الدم للإنسان الطبيعي ؟؟ فقال : قلة أكل الملح والتعرق الزائد الي يفقد الإنسان كثيرا من السوائل حيث يفقد معها تباعا الأملاح المعدنية في الجسم.. فقلت له هذا يحصل في الصيف طبعا..فقال نعم وغالبا..
فقلت له هل هناك حالات في الصيف تأتيك بهه الحالة أم أن العصر قد تغيير؟؟ فقال لا كثير منها تأتيني في الصيف!!
فأخبرته حينها بأن هذه المكيفات في السيارات والبيوت والمراوح وثلة التعرق ورغم ذلك ان هذه الحالات حاصلة معه ..فما بال أيام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ألم تكن الوصاية بالملح هي من عين الطب؟!! والنقطة الثانية لم تطلب منا الرواية الشريفة أكل حفنة من الملح وإنما طلبت ان نضع سبابتنا عليه ونلعق ما التصق عليها ليس إلا فهل هذا يضر حتى المصاب بضغط الدم؟؟؟ فقال لا!! فقلت له كم من الكمية التي تخيلتها؟؟! فابتسم..وابتسمت..بعد ان أفادني عن ضغط الدم..
إن هذا الطبيب لم يبحث عن الدليل الآخر بل ولم يلجأ لأهل الإختصاص..
وعلى هذا يجب الإعتقاد بأن الرواية الصحيحة لم تكن يوما عبثا..

فالدليل الآخر يا إخواني لا تتجاهلوه في أوقات النقاش ولا تتهاونوا به بل استمعوه واستفيدوا منه فليس الدين بساحة للنزال ولا زوبعة مقالات الرجال ..
فالبحث والتنقيب في مأثوراتهم عبادة …فلا تتحول بين أيديكم إلى هوادة او نزالات كلامية..
كثير من الأمور الدينية لا يمكن استيعابها الا بعلوم مختلفة لتحقق ملكة فهم الروايات وتنقيحها وذلك ليس بهين..فليس كل من عرف معلومة طبية أصبح بإمكانه علاج الناس فها هو الطبيب قد أعطاني معلومة عن ضغط الدم فهي ليست مطردة فقد لا تناسب المصاب بالقلب او غيره من الأمراض..بل وأحذر ان أصف هذا الدواء لأحد خوفا من الدليل الآخر.. وفي حال المرض اقف أمام الطبيب حائرا وعيني رجاء لحل معضلتي الصحية لأنه كمتخصص هو الوحيد الذي يعرف الدليل الآخر في حالتي لعله يمسح على علتي او يصف لي دواءا يزيل شقائي بكرم نفسيته وطيب روحه .. ويبقى التدخل المولوي من الله سبحانه وتعالى أولا وأخيرا..
نفس المراحل والحالات يمر بها القرار والفتوى واستنباط الحكم الشرعي وليس لأحد من غير المتخصصين التدخل بإتلاف الأدلة أو التهوين بها..
تصور لو ان كل واحد أتلف دليلا لسد موقف فقد يحتاجه في موقف آخر او قد يتلف يوميا دليلا شرعيا حتى لا يمكنه غدا الإعتقاد بالدين.. وهذا يحتاج الى مصنع ادلة يتلفها دليلا تلو دليل لأنه ملك يوما دليلا؟؟!!وتبقى عجلة استهلاك الأدلة دائرة عنده لحين النفاد..
ان المكلف الساعي لتثقيف نفسه يأخذ الفتاوى جاهزة من المتخصص كما يأخذ الكبسولة من الطبيب ولا مانع ان يقرأ هنا وهناك وينقل ما قرأه ولكن عليه ان يستجيب ليسمع ما قرأه غيره ويتثبت من اهل الإختصاص عنه حتى يقتنع به لأنه يريد ان يجمع المنتقى النقي من الأخبار والفتاوى لا ما يلائم طبعه أو ينافره.. وإن حصل الإختلاف بين أهل الإختصاص يبادر لمن هو أعلم منهم..حتى ينتقي النقي من أخبارهم عليهم السلام بعيدا عن الجدال والمنازعة..

هذا ما استطاع خادمكم ان يخطه الليلة
واعذروه على التقصير..
وشكرا جزيلا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*