مفهوم الحرية السياسية ومفاهيم القانون

image_pdfimage_print

كفل السياسيون المتنورون حرية الأفراد الشخصية تحت عناوين مختلفة تبدو في وهلتها الأولى بأنهم قد جعلوها عامة ومطلقة، ولكن القانون يحكم السياسة بتشريعاته العامة والخاصة داخلياً..

ولكن الحرية مقيدة بقوانين تكفل راحة الغير وحرياته فلا تكون حرية على حساب حرية وتفضيل لأخذ على احد، فعلى ذلك يجب أن يعرف كل عاقل بأن الحرية المطلقة متعذر تحقيقها، بل أنها لو تحققت لدب الفساد والدماء في الأرض لا محالة ولهدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله.. فالحريات مقيدة بالقوانين والأديان..

ولكن المنطوق القانوني لا يرى إلا عدم إيذاء حريات الغير بغض النظر عن حماية الظواهر الاجتماعية والضروريات المعنوية كما ان القانون لا يحمي المغفلين، ولكن الشريعة تراعي وتحمي كل ذلك وما لا يتحقق من العدل في الدنيا ترجيه للآخرة.. بل وتبحت في دعوى الاستغفال إذا رفعت ولها أسسها لحماية المغفل والساذج وحتى حقوق المجانين..

وللشريعة مفهوم النحلة الذي يكفل حقوق أهل الديانات الأخرى ومذاهبهم وترى هوية الفرد بدينه إذ لا هوية للكافر لخلوه من الدين.. فالأديان السماوية لها تشريعها وقانونها التشريعي، فبحسب التنظيم القانوني الشرعي والتشريعي يكون لكل نحلة محكمتها الخاصة فيما إذا وقع الخلاف أو الجناية من احد فتحاكمه محكمة ألا إذا دار الأمر بين طرفين اختلفا في الدين فان للشريعة قانونها التوفيقي في الأمر لتحقيق العدل الاجتماعي..

فضلا عن القوانين الوضعية التي تجعل البشر كلهم تحت قانون واحد يخلق نوعاً من السطوة والسلطنة تحت عنوان السواسية والمساواة بينما تصادر الحريات الأخرى، وقد تعطي الكاف الذي لا دين له فوق حقه – وهو اشد بسيارة تمشي بلا هوية لوحة الأرقام فبماذا يدان لا اعلم!! ولكن الحق ان يجبر على تطبيق القوانين وليختر منها ما شاء ان تعدد الدستور..

ان العموم والخصوص من وجه في المفاهيم قد أصبح يشكل خطراً في التطبيق ان لم يتدارك الأمر والدستور الموحد قد جعل الجميع يحسون بنقصان حقوقهم وثبات حقوق الغير، فعمد السياسيون لجعل الدين الغالب هو السائد – منطق القوة – وجعل الديانات الأخرى متصارعة له، وذلك ليس من مفاهيم ديننا الحنيف، بل ان الدين يرى لكل نحلة محكمة تحكمه والرجوع في حال اختلاف الطرفين لدين الإسلام، فهو الدين الوحيد الذي شرع هذه الفتوى وهو الأولى بالتوفيق فيها، فبذلك نضمن انعدام الضرر أو قلته بالنسبة للحريات المختلفة..

وعلى المكلف العادي والإنسان المنصف ان يدرك تلك الخلافيات الطبيعية التي لا بد منها لكي لا يستغله السياسيون ليزجوه في معترك يدمر البلدان ويهلك الحرث والنسل، فليس بالضروري ان يسوي الإنسان مشاكله بالقوة وإنما التفاهم مع التنازل عما يمكن التنازل عنه ضروري، وتدعم كل الأديان حرمة الدماء الإنسانية بعيداً مهارات السياسيين الخاصة..

اذكر ان احدهم مرة استشكل منع الشريعة للزنا وشرب الخمر وتحريمها قائلاً هل تصرف عليَّ لتمنعني؟! فقلت: ولو كنت أصرف عليك أموالاً طائلة لمعيشتك فهل يحق ليَّ منعك مما حلل الله؟! ولكن المنع يأتي من الشريعة لكي تحمي المجتمع من فساد يغذي الناقصين والغير سويين أو الغير متساوين في أخلاقياتهم والذين يضيعون حياة البواكر من بناتنا ومستقبلهن أو حياة أولادنا ليناموا تحت مؤثرات السكر والعربدة، فهل ان الإنسان سيضبط حياته بلا دين؟!

السياسات الخارجة

أما عن السياسات الخارجة ومعترك الخلافيات فيجب فيه التذكير بتعاليم الأديان لان السياسي المعتنق لدين ما، يعني اقتناعه بتدخله في كافة تصرفاته الحياتية، فان لم يكن لهم دين فالتفاهم حينها بالمشروع شرعاً من منطلق التوجيه الديني أو حماية الأمة ومصيرها من عدم القيام بالمرفوض دينياً أو شرعاً أو زج الأمة في الزوايا المخالفة لشريعتها..

ولكن الظرف الراهن بثبت بأن السياسيين قد همشوا الأديان ليمشوا تحت قوانين وضعية صنعتها الفلسفة ومنطق القوة حتى اقتنع قليلوا البصيرة بما يطيعه الأقوى تحت عاطفية الذلة والمسكنة والتفرعن على من هم اضعف منه حتى يصنعوا المدرج الطبقي الدولي بحسب تصانيف القوة الغابيَّة..

فمن سمح لدولة امتلاك أسلحة نووية فتاكة عن البعض الآخر ومن سمح للدولة الفلانية ان تحتجز دولة أخرى وتقسيمها وفق مبتغاها وهكذا فان منطق القوة الغالب على المجتمع الدولي لا يشجع على الانخراط فيه، فانظر إليه بأنصاف من بعد، مجزرة تحدق بأخطار شياطين البشر، ولكن الدخول فيه يجب ان يكون بحذر ديني ووازع أخلاقي والاعتراف بالحق لتحقيق العدل والمحتاج سيقصدك حتماً، كما يفعل البشر في أي سوق من الأسواق حيث العدل والظلم في نفس مجتمع السوق ولكن التمايز واضح بفحوى المعاملة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*