استغلال التفاوت في الغزو الغير أخلاقي

image_pdfimage_print

كثير ممن يستعملون القياس المجرد بكيفيات تخلوا عن الشريعة ومقيداتها يجعلون العنوان أو الحكم المطلق بلا تقييد أو التقييد بلا إطلاق .. للوصول للهدف المنشود من شرعنة الفكر المنحرف وإضفاء الطابع الإسلامي عليه..
كأن يقال أقيموا الصلاة في القرآن الكريم وإقامة الصلاة أمر ولا بد من الإتيان به..فيقول القائل أن المريض تسقط عنه الصلاة لعدم الإستطاعة.. نعم عدم الإستطاعة كفقدان العقل ممكن .. ولكن المريض الذي يعي ما يدور حوله يصليها ان لم يستطع قائما فقاعدا وان لم يقدر فمستلقيا..الخ.. فلا يذكرون هذه التقييدات.. ويضيع الترتيب في الحكم الشرعي..
كذلك في الأمور العامة.. فالذي يخمس ماله بدينار وآخر بخمسين دينار .. حيث يتظلم ابو الخمسين دينار من زيادة مستحقاته عن أبي الدينار !! مع العلم ان التفاوت في الرزق هو السبب .. ولا يلتفت بأن الله رزقه 250 دينار وفضله في الرزق على من هو مرزوق بخمس دنانير!!
وهكذا في الأخلاق …
لعبوا دورهم بالغزو الغير أخلاقي بتقييم السلوك بحسب المادة واستغلال التفاوت فيه.. فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها دليل واضح على أن التساوي لا يمكن تصوره في أعمال العباد.. لاختلاف القدرات.. فالمطالبة الكاملة بالتساوي وعدم الاختلاف في البذل والعمل والرأي لطعن الناس في قيمهم واتهامهم مرفوض .. \طالما ان الخالق طالبنا بقدر الوسع والطاقة والمقدرة..
لذلك كانت سياسة زرع الحقد في نفوس الفقراء على المترفين والتزيين لحياة المترف وكأنه نال السعادة الأبدية بذلك الترف مع العلم بأن ذلك ليس شرطا للسعادة!! فيتم الترويج بأملاك فلان أو علان على نحو يجعل المقابل يطلب ما هو ليس بوسعه أو ما لا يستطيع تدبيره وحتى لو كان يستطيع فإنهم قد حولوه للمعنى المادي وجعلوا هدفه ماديا يحس من خلاله بأنه سيموت بلا تحقيق هذا الهدف..
ولو تلاحظ بأن كثير من الناس يتظلمون من الرزق ولكن كل على شاكلته.. فمن يتظلم من الرزق وكأن الملوك هم الرازقين ومن يتظلم وكأن الله قد ظلمه وذلك بإسم الحظ . .. حيث يقول لا حظ عندي!!ما عندي بخت ولا حظ!!
وهكذا تتحول المعايير للمقادير المادية..
تعديل الفنانات بطريقة مكياجية ومسابقات ملكات الجمال يجعل البنات تتحدى يعضها في صفات ومميزات تحولهن لعارضات أزياء بدلا من تنمية الأخلاق ويصبح السلوك إغراءا في الشوارع والأزقة والطرقات.. مع جعل الفنانات تسوق سيارة فارهة أو أشكال تمس خيال البشر المادي بطريقة ترويجية غريبة قد لا تمت لقصة الفيلم أو المسلسل بجهة..
وهكذا ..
مع تنمية الشعور بالحرمان للمحروم وتهيئة حالات الحرمان بعدم تحقيق الكماليات التي تتفاوت بلا نهاية.. فمثلا لو كنت أملك سيارة بحالة جيدة .. ترى بأنهم يهيجون الحرمان من السيارات الحديثة 2011 مثلا .. وكأن الذي لا يملك السيارة سيموت بدونها..
رغم أن الله قد رزق البشر بتفاوت .. هذا بالصوت وهذا بالشكل وهذا بالمال وهذا بالصحة وهذا بالعيال.. الخ ولكل نصيبه وما كتبه الله له..
فلو نظرنا لأنفسنا وتفكرنا بها سندرك بأن الله خلق التفاوت فيما بيننا واختص كل فرد بما يميزه .. فعلى هذا الشعور بالحرمان والحسد للمتفاوت في مجال لم يرزقنا الله إياه سيخلق حالة من الأنانية التي قد تحول البشر الى غابة الإنتزاع القسري بالحيلة أو بالقوة عبر قنوات الحرمان والحسد..
ولذلك كان أمر الدين واضحا من الإشتغال بتنمية الأخلاق في النفس عبر الشعور بالمسؤولية الدينية التي سيطالبنا الله بها غدا..بعيدا عن هذه التفاوتات كل على حسب وسعه..
فلن يطالب جل وعلا المعدمين بالخمس ولكنه سيطالب من رزقه سبحانه بالمال.. ولن يطالب المجانين بالعمل الصالح والصلاة والصوم ولكنه سيطالب العقلاء بذلك..ولن يطالب النساء بالجمال ولكن سيطالبهن بالتكاليف والواجبات الشرعية حيث أنه سبحانه خلقنا لنعبده جل وعلا..
ومن هنا يتحرك المقص بحديه الحسد والحرمان ليجلس فاحشوا الثراء على العروش ينظرون لمن هم أقل منهم غنى يتحاربون مع الفقراء المعدمين في الوقت الذي يستغل ظروف الطرفين الطرف الثالث وهو المحرك والمستفيد من التفاوت..بعيدا عن أسنان وحدود المقص الحادين..
صار المجتمع الحالي لا يفرق بين حاجاته الرئيسية وحاجاته الكمالية ولا يفرق بين السعة في الرزق إن وسع الله عليه وبين حرمانه نظرا لخيال القياس الذي قد حشى عقله والمقارنة بينه وبين من يعرفه من الأشخاص !! وبين ما يراه من الترويج بالتلفاز..
وقد كثرت الخيانات الزوجية ولو بالنظر للمثلات والفنانات بالتلفاز حيث نفس المقارنة حتى في الحياة الزوجية ..فكم وكم قرأنا في جرائد الأخبار عن مهند الذي تطلقت النساء من أجله لمقارنتهن بأزواجهن في بعض الدول .. وانحراف الرجال لخصوصية في النساء من البياض والسمرة والأشقرية والطول والقصر وكأن ما لديه لا يسوى شيئا!!!
وهكذا فإن التفاوت الذي دخل حياتنا وصار مقياسا رغم أنه لا يصلح لأن يكون كذلك حولنا لآلة تجمع الرغائب بعيدا المباديء الحقة وتحقيق المطالب الدينية والأخلاقية !!
والتفاوت ليست مقياس ثابت لكي يكون قانونا يحيك حياتنا أو أن نتبناه!! فهل نستطيع بناء بيت على أرض متزلزلة.. وكيف نبنى قانون حياتنا الرئيسي على حركة التفاوت؟؟؟!! السيارة 2011 ستكون قديمة مع حركة الزمن !! والمرأة الجميلة ستكون عادية بعد الحصول عليها!! والبيت الكبير سيكون عاديا بعد اسبوع واحد من سكنه .. فماذا ستكون النتيجة بعد ذلك .. خسران الأخلاق والقيم والشعور بالذنب بعد الصحوة وبعد معرفة حركة التفاوت التي لا تنتهي .. وإن لم يصح الإنسان من غمرتها فقد تقتله حركات التفاوت بالحسرة التي ستجعل موته بشعا بلهيب الحماس الذي لم يحقق شيئا ورماد الحرمان!!
بينما كان ذلك الإنسان سيحقق الكثير لو مشى على نظمه الأخلاقية بين الوفاء للزوجية والقناعة وشكر الله حيث يقول لإن شكرتم لأزيدنكم..
ألا ترى بأن آباءنا السابقين كانوا يقولون لنا حين نمدح سيارة ما .. هذي بتوصلني يعني القديمة وتلك كذلك .. حيث يحقق الغرض الرئيسي من الحاجة وتحققها يعتبر كاف حصوله للأهل والعائلة ثم ينظر لتحقيق أشياء أخرى قد حرمت منها العائلة ليحقق التوسع للعيال ومن ثم يبدأ بتجميع الفائض ليكون إرثا لهم أو مالا يفيد حين الحاجة الملحة؟؟!!
فالتفاوت يعتبر من أخطر الخطط التي قد ترسم الحياة وملامحها فيقوم هذا السلوك الذي يحول الإنسان لحالة تبحث عن الرفاهية _وهي ايضا حالة تفاوت حيث لا يوجد مقياس للرفاهية سوى عدد المقتنيات _ حيث لا تقاس الا بعدد المقتنيات دون النظر لكونها حاجة رئيسية أم كمالية ومدى حاجة الإنسان وخصوصا في وقت تعدد الحاجات للبشر بحسب ضرورتها لكل شخص على حدة .. ولكن البشر يتفقون في حاجاتهم الرئيسية قطعا..
نعم لا يحرم التوسعة على العيال ويجب على المعيل السعي لذلك ولكن ليس بمحمومية المرض المادي وتحويل الحياة لمعركة المقتنيات المادية التي يتنافس فيها الأفراد للإستعلاء.. رغم أنهم في الواقع قد يضحون بكثير من الأمور التي لا يعلمها إلا الله!! لتحقيق هذا الهدف المتفاوت .. الذي لا نهاية له فيكون التفات هدفا لا يمكن تحقيقه..
كما طال مفهوم التفاوت جوانب المصطلحات الدينية حيث ترى العاصي يقول الله غفور رحيم ويشرب الخمر ويقول الله أحن علي وهو أقرب إلي من حبل الوريد ومن ثم ينسى أنه شديد الحساب مع العصاة!!
التهاون في المحرمات وكأن الغناء صار محرما هينا والتهوين بالمحرمات في لعبة التفاوت قد السباب ينغمرون في بحر الشهوات على حساب الدين دون وعي لتفاوت المصطلحات..
فقد ترى شخصا يمجد مطربا ويعتبره من الداعين للحرية منشغلا بأخباره وينسى التفاوت بأن إثمه أكبر من نفعه وينسى ملحمة كربلاء الخالدة في مطلب للتفاوت فيتبع الأدنى دون أن يشعر بأن الله سبحانه وتعالىيَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا
وترى من يشرب الخمر ويقول : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ.. ثم يدعي انه يريد المنافع رغم أن القرآن الكريم يقول في نفس الآية : وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ .. فيتغافل هذا التفاوت الواضح الموجد في القرآن الكريم!! حيث النهي الصريح..ليجعل التفاوت في مصلحته.. ولا ادري لو أخبرته عن مشروع بأن خسارته أكثر من نفعه هل سيفعله لتلك المنفعة اليسيرة.. وهل ان تلك المنفعة واقعية أم شخصية ..حيث يتغافل عن تحقيق الحقيقة ليحفظ لنفسه حجة التفاوت لتحقيق رغباته المنحرفة..
لقد أذن أذان الفجر ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*