تحصيل قابلية التوبة

سلسلة بمن ألوذ؟ ٢الحلقة الثانية: تحصيل قابلية التوبة.

الميرزا عباس العصفور 
بسم الله الرحمان الرحيم 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين 

يظن بعض الناس أن الاستغفار جهد لفظي مجرد أو ندم يستمر لوقت معين حتى تنقضي عواطفه الخاصة وفي ذلك نوعين من شخصية البشر 

الأول: يستغفر ويعتذر نادما مكبرا في نفسه أنه اعتذر وندم ويعجب بنفسه على توجهه للاستغفار ، ويتعامل بعدها بلحظات وكأنه لم يذنب أبدا ..

الثاني: وهو الفناء في التوبة والتوجه للمولى والشعور بالخجل من العصيان حيث لا وجود للشعور بذاته وكأنها تقابل ذات المولى وإنما التصاغر والذل أمام ذات الله جل جلاله ..

* محمد بن علي بن الحسين في (ثواب الاعمال) عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن جعفر، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: أوحى الله إلى داود النبي عليه السلام يا داود، ان عبدي المؤمن إذا أذنب ذنبا ثم رجع وتاب من ذلك الذنب واستحيى منى عند ذكره غفرت له وأنسيته الحفظة وأبدلته الحسنة ولا أُبالي وأنا أرحم الراحمين.١

فالأول مطالب بالاستغفار والشعور بالخجل والندم ، فاستغفاره وتوبته واجب عليه بالاستمرار في الندم كلما تذكر ذنبه وليست وظيفته مقتصرة على زمان فعله ، فلا ينتهي وجوبه بانقضاء فعله بل لابد من تفعيله والاستمرار فيه لتحصيل الاطمئنان برضا المولى جل وعلا.

والثاني لابد له من التصاغر والخشوع والخضوع للوصول إلى رضا المولى.
إن الإنسان كلما يتوجه لقضاء حوائجه الخاصة لابد له من متطلبات في شؤونه المعيشية وغيرها من الأغراض المنشودة المشروعة ، فلو أراد الشراء فعليه توفير العوض المالي ، ولو أراد الزواج فعليه أو يوفر في نفسه بعض الخصال والمواصفات .. وهكذا. فالتوبة تحتاج لتوجهات وتوفر الشروط التي تقتضيها كما ويجب الاجتهاد بالتخلص من موانعها ليكون جاهزا للخلاص ويكون استغفاره مؤثرا في نفسه مقبولا عن المولى جل وعلا.

##فمن الموانع التي يجب التخلص منها : 

١- الابتعاد عن الذنوب التي لا تغتفر : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ٢. 

لأن الذي يشكك في الله وملائكته ورسله وكتبه فلمن سيلوذ ولمن سيتوجه ، لأن المشرك والمشكك لا يعتبر وجودهما جزما فيكون اعتقاده ناقصا ويخسر التوجه لله ويكون محروما من العلاقة معه.
٢- أن لا يستهزيء بالله سبحانه: ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ . ٣

قد يستغرب البعض من هذا التعبير حيث لا يتصور العقلاء أن يقوم أحد بهذا الأمر والعياذ بالله ولكنه حينما يستغفر ويعود متعمدا فإنه استهان بالله وجعله من أهون الناظرين إليه . 

فلذلك عليه أن يحارب نفسه الأمارة التي قد تجعل قلبه خاليا من الندم ومتوجها إلى المعاصي بشوق شيطاني ليتخلص من المانع الذي يعطي انطباعا عن استهزاء وتساهل يغضب المولى جل جلاله. 

*علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن احدهما (عليهما السلام) في قول الله عزّ وجلّ (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) قال: الموعظة: التوبة٤.

## مقتضى التوبة وما يجب توفره في التائب، منها : 

١- الاستغفار: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ٥

–وللاستغفار مراحل متعددة للوصول إليه صحيحا أو تصحيحا لتفعيله عند العباد

* الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول) عن كميل بن زياد أنه قال لامير المؤمنين (عليه السلام): العبد يصيب الذنب فيستغفر الله فقال: يا ابن زياد التوبة، قلت: ليس؟ قال: لا، قلت: كيف؟ قال: ان العبد إذا أصاب ذنبا قال: استغفر الله بالتحريك، قلت: وما التحريك؟ قال: الشفتان واللسان يريد ان يتبع ذلك بالحقيقة، قلت: وما الحقيقة؟ قال: تصديق القلب واضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه، قلت: فاذا فعلت ذلك فأنا من المستغفرين؟ قال: لا لانك لم تبلغ إلى الاصل بعد، قلت: فأصل الاستغفار ما هو؟ قال: الرجوع إلى التوبة عن الذنب الذي استغفرت منه وهي أول درجة العابدين وترك الذنب والاستغفار اسم واقع لستة معان، ثم ذكر الحديث نحوه.٦

* محمد بن الحسين الرضي في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ان قائلا قال بحضرته: أستغفر الله، فقال: ثكلتك أًمّك أتدري ما الاستغفار الاستغفار؟ درجة العلّيين وهو اسم واقع على ستة معان:

 أولها: الندم على ما مضى،

والثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا،

والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عزّ وجلّ أملس ليس عليك تبعة،

والرابع: ان تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها

والخامس: ان تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالاحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشو بينهما لحم جديد، 

والسادس: ان تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول: أستغفر الله.٧ 

فمن يغفر الذنوب إلا الله؟؟ ولا نلوذ إلا به..

٢-ولاية أهل البيت عليهم السلام : 

 وفي (الخصال) عن أبيه، ومحمد بن الحسن، عن سعد، عن القاسم بن محمد عن المنقري، عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): لا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل يزداد في كل يوم إحسانا، ورجل يتدارك ذنبه بالتوبة وأنّى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه إلا بولايتنا أهل البيت.

فدون الولاية أعمالنا ناقصة مبتورة ألا ترون أن الصلاة لا ترفع إلا بالصلاة عليهم عليهم السلام ؟! 

 فلا يمكن للتائب التوجه للتوبة حاملا موانعها ولا يمكن تحصيلها بدون الاستعداد وتوفير لوازمها وما تقتضيه لتحصيلها صحيحة ونقية ومقبولة من المولى جل وعلا .. 

هذا البيان اختصرناه للمؤمنين كي لا نطيل عليهم .. 

والحمد لله رب العالمين.. 

المقال الثالث القادم في سلسلة بمن ألوذ من نداءات التوبه 

(العواطف المقدسة في التوبة) 
———————

١- ثواب الأعمال ١-١٥٨

٢- النساء الآية ٤٨ 

٣- الجاثية الآية ٣٨

٤- الكافي ج٢ :٣١٣

٥- آل عمران ١٣٥

٦- تحف العقول ١٩٦ -١٩٧

٧- نهج البلاغة 3: 252 | 417.

#نداءات_التوبة