وجوب التوبة

حلقات بمن ألوذ ؟ (١)وجوب التوبة ..

لاشك أن الإنسان إذا عرف ربه وجب عليه الامتثال لطاعته وتجنب معاصيه ، وهذا الوجوب عقلي من حيثيات قد ناقشها العلماء ، منهم من قال أنها تجب عقلا لشكر المنعم ، وآخرين قالوا أن العقل ينهى عن الإضرار بالنفس ويدعو لدفعه عنها، وهكذا فإن التعامل مع الخالق فيه الفلاح للمطيعين والهلاك للعاصين والمتمردين .

زخرف الحياة وبهرجة الدنيا خدع الكثيرين وجعلهم يتمردون ويعصون ليرتموا في أحضان الشياطين لاهثين خلف أهوائهم حتى تحييهم كلمة ما أو آية قرآنية فيستيقظون بندم عميق ودوافع عقلية قوية تدعوهم لشكر المنعم ودفع الضرر بالاستغفار والتوجه لله سبحانه بكل ندم لنيل النجاة في الدارين .

ومن هنا كان الخطاب الشرعي موجها لهؤلاء من المولى جل جلاله:

١- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)

* وبالإسناد عن أبي أيوب، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) قال: هو الذنب الذى لا يعود فيه أبدا، قلت: وأينا لم يعد؟ فقال: يا ابا محمد ان الله يحب من عباده المفتن التواب.(٢)

أي يتوب الذي افتتن بالدنيا..

فإن تاب المفتن دفع الضرر عن نفسه وجلب المنافع الجليلة إلى نفسه وأنقذها حيث يتم الله نورهم عليهم لأنهم امتثلوا لأمر الله (توبوا) واستحقوا أجر هذا الامتثال. 

* وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) (قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه.

قال محمد بن فضيل: سألت عنها أبا الحسن (عليه السلام) فقال: يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه، وأحب العباد إلى الله المفتنون التوابون. الكافي 2: 314 | 3.

٢- وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ..(٣)

علي بن موسى بن طاووس في (مُهج الدعوات) عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اعترفوا بنعم الله ربكم وتوبوا إلى الله من جميع ذنوبكم فإن الله يحب الشاكرين من عباده.(٤).

فإن الذنوب تزيل النعم وتحبسها والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتوبة لتحصيلها ، وبناء جسر الألفة والمحبة معه جل جلاله حيث عبر عن التوبة بالخير وتوعد المصرين على ذنوبهم بأن يستبدل منافعهم أضرارا نظرا لجرأتهم وتجاسرهم في الدنيا والآخرة ، فلا تنخدع النفس بالمنافع الآنية واللذائذ الشيطانية فإن ثمنها مدفوع بالألم في الدنيا قبل الآخرة .
٣- وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ(٥)

الأدلة كثيرة والمخاطبة بالتوبة أكثر ، ولو تمعنت العقول في الآيات والروايات لوجدت أنها كلها تخاطبنا بصيغة الأمر (توبوا) وعلينا الإنصياع والتوجه الفوري للطاعة لجلب المنافع الجليلة وشكر المنعم جل جلاله ودفع الضرر عن أنفسنا وأهلينا .. فالمولى جل جلاله هو الملاذ الآمن للعباد ولا ملاذ غيره .. 

ترقبوا المقال القادم تحت عنوان ( تحصيل قابلية التوبة) .. 

والحمد لله رب العالمين .. 

#نداءات_التوبة

———————————————

١- التحريم الآية ٨

٢- الكافي 2: 314 | 4 واورده عن الزهد في الحديث 4 من الباب 89 من هذه الابواب. 

٣- التوبة ٧٤

٤- مهج الدعوات 

٥- هود آية ٣